الاثنين، 3 أكتوبر 2011

سورية في مواجهة العثمنة الجديدة

ناهـض حـتر
ynoon1@yahoo.com
واجه الحراك الشعبي السوري، عند انطلاقه الحيّ كتعبير عن الاحتجاج على زواج الاستبداد بالليبرالية الاقتصادية، عنفا سلطويا غير مسبوق. لكن، رغم التضحيات، أحرز السوريون إنجازات سريعة; فلم تعد سورية جمهورية الصمت، وفرضت المطالب الشعبية نفسها على الخطاب الرسمي، وتم الاعتراف بالمعارضة المدنية، وبدأ الحوار حول كل المسائل التي تعني المواطن السوري، ولم يعد ممكنا إدارة الانتخابات المقبلة بالأساليب السابقة. 
الحراك السياسي الديمقراطي بدأ في سورية، تفرضه، موضوعيا، موازين قوى جديدة داخل الدولة والمجتمع، لكن تهدده التدخلات الخارجية.
الدرس الأقسى الذي تعلّمه النظام السوري هو استحالة استمرار نظام يحكم باسم شرعية الأيديولوجية الاشتراكية بينما يفتح الأبواب للنيوليبرالية والكمبرادور والنشاطات العقارية والمالية على حساب الصناعة والزراعة، ويخلق الفرص للإثراء والتبرجز على حساب إفقار الأغلبية. ومن دون التراجع عن النهج النيوليبرالي وضرب الفساد الكبير، لن تنتهي الأزمة السياسية السورية، لا بالاستبداد ولا بالديمقراطية.
في الجو الإقليمي والدولي المعادي لسورية، يتم إنكار ما حدث من تفكيك لخطاب الاستبداد واحتكار السياسة. ولا يستطيع الرأي العام العربي إدراك التغيرات الحاصلة طالما أن القوات المسلحة تخوض حرب شوارع في عدة مناطق في البلاد، لكن الجيش السوري لا يتصدى اليوم للحراك الشعبي وإنما لمجموعات مسلحة مدارة ومموّلة من قبل قوى خارجية، تريد تدمير الدولة السورية وليس فقط إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.
ويجب أن يكون واضحا أن ذلك النظام لا يعنينا، لكن سورية الوطن والدولة، هي جوهرة العقد فيما بقي من العرب والعروبة. وسورية، عند الوطنيين الأردنيين، هي البلد الأعزّ بين البلدان الشقيقة، ليس فقط بسبب الأصل الواحد للبلدين، وإنما، أيضا، لأن قوة الدولة السورية ووحدتها وسيادتها وخطها العروبي المعادي للصهيونية، هي ضمانات أساسية للكيان الوطني الأردني.
منذ 2003 خطط الحلف الأميركي - الإسرائيلي لاستحداث نسخة سورية من عراق الحرب الأهلية والتقسيم الفعلي في ظل " الديمقراطية" الطوائفية والإثنية. وقد أنقذت المقاومة العراقية، سورية، من هذا المصير، سنوات، ومكّنتها من إستعادة المبادرة وتجاوز مؤامرة المحكمة الدولية والحرب الإسرائيلية في تموز 2006 ، لكن الضربة الحالية جاءت من داخل نظام الأسد نفسه على أيدي فئات كمبرادورية نظمت الإنقلاب النيوليبرالي، ومهدت الميدان مجددا للتدخل الخارجي، وأبرز قواه، اليوم، تركيا الأردوغانية الساعية إلى لعب دور الوكيل الإقليمي لحلف النيتو والإمبريالية الأميركية. وهذا السعي، بالمناسبة، هو الذي يفسر الخلاف التركي - الإسرائيلي الذي يدخل في باب المنافسة لا في باب الصراع.
مستندة إلى عضويتها في حلف النيتو بالذات تتبنى تركيا اليوم إستراتيجية العثمنة الجديدة، ولها، بالتالي، مصلحة مباشرة في تفكيك الدولة السورية، وفرض نفوذها السياسي والأمني والاقتصادي على البلد الجار الذي شكّل، دائما، عقدة آليات السيطرة في المشرق، والذي يعد البوابة العربية للرأسمالية التركية.
النزعة إلى الهيمنة الإقليمية، والأطماع التقليدية في الأراضي العربية ( في سورية والعراق)، والتجارة والمشاركة في العائدات النفطية، هي محركات السياسة التركية نحو سورية، وليس الحرص على الحرية والديمقراطية والإسلام. ولو كان لدى أنقرة أدنى حرص على ملايين الفلاحين المسلمين لدى جاريها العربيين، ما كانت لتعتدي على حصصهم في مياه الفرات. ولا تريد أنقرة في بغداد أو دمشق، دولة قوية تسترد الحقوق المائية المسلوبة.
ينبغي تذكير أولئك الذين يهللون للدور التركي أن تركيا، مثل إسرائيل، تحتلّ أرضا عربية سورية ( لواء الإسكندرون) وتطمع في التوسع في أراض سورية ولا تخفي ادعاءاتها في الموصل.وتأمل أنقرة بتصفية قضية الشعب الكردي - التركي العادلة من خلال العثمنة الجديدة وتوسيع نطاق سيطرتها الإقليمية وتدخلاتها.
إن مشاعر العداء لسورية القومية العلمانية تمنع بعض العرب من ملاحظة أن الدولة السورية المتماسكة والقوية هي التي تخلق المعادلة الإقليمية التي تجعل من تركيا شريكا لا سيدا.
(العرب اليوم. 2011-10-03)

ليست هناك تعليقات: