الاثنين، 1 أغسطس 2011

بشارة وحمارنة وما بينهما!

نظم "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في قطر، الذي يديره د. عزمي بشارة، ندوة "علمية" بعنوان: "سورية بين خيارات ومصالح القوى السياسية والاجتماعية واحتمالات التغيير"، حضرها عدد من رموز المعارضة السورية، وآخرون من المهتمين وباحثي المركز، وتم بث وقائعها على قناتي "الجزيرة" و"الجزيرة مباشر".
يوحي عنوان الندوة بأنها منذورة لتحليل الواقع السوري في لحظته الراهنة الملتبسة؛ ولكنها برغم ذلك انطلقت من موقف مسبق يقفز على الالتباس، وبنت عليه مسارها وأيامها "البحثية". 
ولأن النوايا فضّاحة، لم ينفع الندوة التشديد على "علميتها"، فراحت تغرق بين مداخلة وأخرى، في البحث عن تكتيكات لمواجهة النظام السوري بغرض اسقاطه، في "اللحظة الراهنة".
وبمعنى آخر، تحولت الندوة "العلمية"، لا سيما في يومها الثاني، إلى نوع من مجلس استشاري لـ"مجلس عسكري ما" مهمته إسقاط النظام السوري، تحاول أن تقدم له تقدير موقف، وتقترح عليه تكتيكات ميدانية، وتخريجات "فكرية"، إلى جانب تسويغات و"فتاوي وطنية".
لا يتسع الحديث للتوقف عندها كلها، ولكن يمكن التوقف عند حالتين مذهلتين في بؤسهما:
تسويغ التدخل الأجنبي: تحدث السفير العراقي في قطر، متناولاً حديثه حول فكرة مركزية، ملخصها أن المعارضة العراقية ظلمت عربياً، بما لا يقارن مع ما تواجهه اليوم المعارضة السورية؛ فقد اتهمت بأنها عميلة، وحينما شكلت حكومة قيل عنها أنها حكومة احتلال. والأدهى أنه كان في الواقع يعبر ويكرس فكرة، من الواضح، أن الندوة العلمية تضعها في مقدمة أفكارها المسبقة، وصرح هو بها دون مواربة، ومفادها: لا تخشوا استجلاب التدخل الأجنبي.
وبرز أحد الحضور المراقبين فذكر سعادة بأن الحكومة العراقية التي شكلت هي بالفعل حكومة احتلال، فقد كان العراق رسميا محتلاً من الولايات المتحدة، بحسب قرار مجلس الأمن. ثم هي بقيت كذلك، حتى اليوم، بنظر الشعب العراقي. وبطبيعة الحال، لم يكن الحال ليسمح بالإشارة إلى شق العمالة، ومؤشراته التي لا تقتصر على التعاون مع المحتلين للإطاحة بنظام صدام حسين، بل ومساعدتهم بعد ذلك على تدمير العراق كدولة وبلد، ونهبه.
وكان يجب أن يبرز من يشير إلى حيثيات التدخل الأجنبي وعناوينه البارزة، مثل الحصار الذي استمر ثلاثة عشر عاماً، وموت نصف مليون طفل عراقي لنقص الغذاء والدواء، والملايين التي شردت من البلاد، والثروات التي نهبت ورهن مستقبل العراق ومقدراته للخارج، ومئات الآلاف من القتلى، وغير ذلك كثير..
تحطيم الدولة السورية: تساءل د. مصطفى حمارنة، مشيرا لكلام كان قد قاله بعض المعارضين السوريين (ربما هيثم مناع)، لِمَ كل هذا الحرص على وحدة الجيش، ولِمَ الخشية من تفكيكه؟ وزاد بأن جزم بأنه على العكس من ذلك يجب تفكيك الجيش، ووجه عناية الحضور السوري إلى أن هناك تكتيكات كثيرة معروفة ومتبعة، مثل التشهير بضباط الجيش ومرتباته. 
وكفت الدقيقتان الممنوحتان لمواطننا حمارنة ليضيف بأنه يجب تفكيك الدولة أيضاً. (الدولة وليس النظام). مؤكداً أن هذا أمر لا مناص منه وضروري، ولا بد من العمل عليه. وبداً جاهزاً وعلى أتم الاستعداد للركض أمام مليشيات التدخل الأجنبي ليدلهم على بيوت من يقاوم، ومن ينتسب للجيش أو حزب البعث.
وتمنيت لو أعطي مساحة أكبر من الوقت لأرى ما الذي يمكن أن يتفتق عنه عقله أيضاً؛ وبرغم ذلك فهمت لأول مرة معنى الفكرة الشائعة عن د. حمارنه بأنه "مجنون"؛ وأدركت أن المقصود لا يذهب إلى القول بأنه عبقري أو جريء أو "فلتة"، ولا تعني أنه "مجنون". ولكنها إشارة إلى حالة الغرق في بحر من الأفكار السطحية المرتجلة والمقاربات الباهتة والمجترة التي لا تختلف عن عثرات عقل عادي ومعتاد، غير أنها بالمقابل في غاية البؤس، وتدميرية.
باختصار، كان ينقص هذه الندوة "العلمية" حضور "سماحة" الشيخ العرعور، فقد كان من شأن حضوره أن يضفي بعض "البهاء" على المنصة، متوسطاً د. عزمي بشارة عن يمينه وربما د. حمارنة عن شماله.
وأدرك الآن، أن "سماحته" كان حاضراً بالفعل، على نحو ما، فما بين هذا وذاك كان "فكر" العرعور يتربع بجلال!

ليست هناك تعليقات: