الأحد، 31 يوليو 2011

وينقذك البحر من الغرق!

التدخل الخارجي الواضح، ومثاله ليبيا، جاء بنتائج عكسية للغاية؛ فمن حيث أراد الإطاحة بحكم القذافي، أعاد تأهيله وتقديمه كقوة وطنية بمواجهة قوى مرتبطة؛ وكان من نتائج ذلك المباشرة أنه جمع حوله الغرب الليبي، وطرابلس تحديداً.  فيما انحصر حضور مناوئيه على شريط الساحل البعيد عن الجنوب والوسط الشاسعين، الذي تعود إليه جذور القبائل الكبرى، التي بقيت على ما يبدو داعمة له.
وهكذا من جاءوا ليغرقوه أنقذوه..!
لقد تخلى "الثوار بنغازي" بعجلة عن "ثورتهم" لصالح السلاح؛ وهذا قادهم إلى عقد صفقات مرتجلة مع أركان من النظام ممن كان لديهم الاستعداد للانشقاق؛ ولكن هؤلاء المنشقين لم تكن لديهم أراض جديدة يضيفونها إلى بنغازي، ولم يملكوا حتى أمر القوات التي كانت تحت إمرتهم، ولم يبد أن لديهم شيئاً أكثر من التوجه شرقا إلى بنغازي. وهكذا، تحولت "الثورة"، إن كانت بالأساس ثورة، إلى مجرد تمرد مسلح على هامش النظام (وليس داخله)، وفي أطراف البلاد.
ولم يكن ينقص هذا الحال إلا طلب التدخل الأجنبي، الذي سرعان تحولت الأمور على إثره إلى حرب أهلية. وبحصول هذا التدخل تحولت التجربة برمتها استنساخاً بائساً لتجربة المعارضة العراقية السابقة، وذلك بحكم العقل الأطلسي المسكون بوصفته العراقية، وبحكم التطابق في الدور الذي يضطلع به المجلس الانتقالي.
وهنا، يتجسد أسوأ ما في المثال الليبي من معانٍ، وهو أنه يمثل تحوّل الانتفاضات الشعبية العربية إلى "ربيع عربي"، يضع نفسه ويرهن مستقبل شعبه ووطنه في سياق خدمة المعادلات الدولية مقابل الحصول على المساعدة والتدخل الأجنبي للإطاحة بنظام محلي (كي لا أقول وطني).
وفي الجانب الآخر هناك دروس معدودة، لكن مهمة، في التجربة الليبية:
نقرأ في المثال الليبي، أنه نموذج غير قابل للتكرار. وهذا اتضح في سوريا جليا؛ رغم أن هذا البلد محاط بجوار متآمر ومتواطئ، ومثلت الإطاحة بنظامه أولوية ليست جديدة بالنسبة للغرب.
ونقرأ في المثال الليبي، أن التدخل الأجنبي لا يسعى، كما يخيل للبعض بسذاجة مؤسفة، إلى تسوية مع الشعوب تضمن الحد الأدنى من المصالح المتبادلة أو المشتركة؛ ولكنه يسعى للهيمنة الكاملة التامة، عبر تنصيب عملاء استخباراته، كما حصل في المثال العراقي، وكما رأينا بالأمس القريب في ليبيا، حيث تم سحق عبد الفتاح يونس، لمجرد أنه لم يبد الارتياح الكافي لـ"غزليات" المجلس الانتقالي مع إسرائيل والأطلسي وتحرّج منها ولم يهضمها. وتم تنصيب عميل "السي آي أيه" العلني خليفة حفتر بدلاً منه.
ونقرأ كذلك في فشل المثال الليبي علامة صحة وعافية شعبية، حيث يتضح أن التدخل الأجنبي مرفوض وغير مقبول شعبياً، ليس من منطلقات أخلاقية فقط، بل ومن وعي (ساكن، لكنه مؤهل للتحرك) بحقيقة أن قوى التدخل الدولي ليست نصيراً للتغيير المنشود، وتمتلك مشروعها الخاص للتغيير، وأن هذا المشروع يتعارض مع الآمال الوطنية الحقيقية.
وفي هذا تأكيد على أن التغيير المنشود لا يكتمل بالإطاحة برئيس هنا أو هناك، ولا بتغيير نظام في هذا البلد أو ذاك، ولكنه يجد تجسيده الصافي في تحديد الموقف من الصراع الجوهري، الذي يقع في صلبه الموقف من إسرائيل، كمعيار أساسي وحاسم، وثم من طبيعة علاقة الحلفاء المحتملين بهذا الكيان وطبيعة مصالحهما المشتركة.
وفي هذا تأكيد، بطبيعة الحال، على أنه لا يمكن أن يتم انجاز التغيير المنشود بالاستعانة بالأطلسي، أو بمجلس الأمن، ولا حتى بالدول العربية المستعدة للعب دور؛ فهي كلها تحمل نفس المشروع المشبوه الذي يلتف على تطلعات التغيير الحقيقي.
وعلينا هنا، أن نعترف أن التدخل الخارجي حاصل فعلاً، وبمستويات مختلفة، في كل البلدان التي شهدت والتي لم تشهد بعد اضطرابات؛ ولكن الخطورة تأتي من قبول القوى التي تتصدى للتغيير إعطاء الشرعية لهذا التدخل بأي شكل كان، سواء باستدعائه مباشرة، أو من خلال التفاهم السياسي مع "الخارج" وركوب طائرته إلى مجلس الأمن.
وعلينا هنا، كذلك، أن ندرك أن كل القوى التي تقوم بذلك أو تتواطأ مع ذلك، هي قوى متورطة (أو مغامرة على أدنى تقدير). وهنا علينا أن نتنبه للدور الذي يلعبه "إخواننا المسلمون" و"إخوانهم"، وعليهم إن كانوا يخلصون الدين لله أن يراجعوا أنفسهم!
ربما تنقذ مسيرة التدخل الخارجي، بما تثيره من ريبة وردود فعل عكسية، القذافي من الغرق. ولكن الأمر الحاسم والمجدي أن يسهم هذا التدخل الحاصل، سواء العلني في ليبيا أو الخفي في سوريا، ، بما يثيره من ردة فعل عكسية، بتحريك ذلك الوعي الموجود والساكن لينقذ الحراك العربي بمجمله، من الضياع في مشمش "المساعدة" الدولية، وتحويل بلدان الحراك إلى محميات استثمارية قطرية!
وهذا ليس بمستبعد، إذ يحدث أن ينقذك البحر، نفسه، من الغرق!

ليست هناك تعليقات: