الاثنين، 3 أكتوبر 2011

القتل أسهل من الاغتيال

بدلاً من الحماية التي يجب أن تقدم لكاشفي المفسدين وفسادهم، قررنا أن نحول أي تعاون في مكافحة الفساد إلى مغامرة غير مأمونة؛ وقررنا أن نجعل من "اغتيال شخصية" الفاسد، جرماً أكبر من اغتياله هو نفسه شخصياً؛ حيث تمر عمليات القتل بفنجان قهوة وبوسة لحية و"كام سنة حبس"، أما اغتيال "شخصيته" فهناك إضافة لذلك غرامة من ثلاثين إلى ستين ألف دينار.
وهذه بالأردن دية حارة كاملة من الرجال "الصلحين"!
والأصل في المسألة أن كل موظف ومسؤول بوسعه بحكم وظيفته ومسؤوليته التصرف بالمال العام أو الوصول إليه، يجب أن يكون قيد المساءلة وتحت المراقبة؛ لا أن تمنع مراقبته ويتم تقييد محاسبته؛ إلا إذا كان السادة النواب لا يرون المحاسبة والمراقبة على الحكومة من مسؤولياتهم!!
ودعونا نرى الأمر بطريقة أخرى: ليس من مهمة الناس والإعلاميين العمل محققين لتجميع الأدلة حول تورط "فلان" أو "علان" بجريمة، بغض النظر عن طبيعتها، وليست مهمتهم إيجاد القرائن الكافية لتوجيه اتهام لأحد؛ ولكن من واجبهم أن يدلوا بما لديهم ويطلعوا الرأي العام على ما يرصدونه من شبهات وبما توافر بين أيديهم من معطيات حول الجريمة؛ ويبقى على الجهات المختصة أن تتحقق من الأمر وتحقق به، إلى أن تصل إلى القناعة التي يرتاح إليها ضميرها، سواء بوجود أساس كاف لتوجيه اتهام للشخص الذي دارت حوله الشبهات، أم لا.
بمعنى، أن الاتهام توجهه جهة مختصة؛ وبالتالي فإن المادة المقصودة تذهب إلى حدّ تجريم من يتعاون مع الأجهزة المختصة وإقلاق راحتها بالبوح بما يتوافر لديه من معطيات، لا يملك أصلاً.. لا القدرة ولا الصلاحية القانونية للتحقق منها أو التحقيق فيها. ولذا، نلاحظ أن هذه المادة التي تتستر بمحاولة الحد من اغتيال الشخصية، هي عملياً لا تحاول إعطاء المتهم بالفساد الضمانات القانونية التي تكفل له العدالة والكرامة والحفاظ على سمعته وعدم اتهامه بدون توفر قرائن كافية، بل تحاول من الأصل وضع العوائق أمام أي تعاون قد يؤدي إلى تحقيق بقضية فساد.
وهي ببساطة، تمنع اغتيال الفساد نفسه، وليس فقط حماية الفاسدين!
ومع ذلك، وما دام الحديث عن اغتيال الشخصية، ما الحال بالنسبة لاغتيال الشخصية، الذي يتم بإشراف الأجهزة الأمنية ومتنفذين بحق أشخاص معروفين وبسطاء، لمجرد الانزعاج من ممارستهم لحقوقهم الوطنية!
ويتجاوز الأمر أحياناً ذلك إلى الاعتداءات الجسدية!
وإذا توافر لدى حكومتنا كل هذا الحرص والتحوط لمنع احتمال تعرض بعض عاشوا في حضن المال العام مما قد يكون "اغتيال شخصية"، فلم لا تبدي مثل هذا الحرص في حماية المتظاهرين السلميين والشخصيات الوطنية والمواطنين من عنف البلطجية..!؟
إن السياسة التي تمنع رجل الأمن من اعتقال البلطجي، الذي يقف على بعد أمتار منه ومن المتظاهرين السلميين، شاهراً عصاه، ومردداً الهتافات الاستفزازية، ومزاحماً المتظاهرين على مكان احتجاجهم، هي نفسها التي يحاولون اليوم تدبيجها في "مادة" تحمي أسياده الفاسدين وفسادهم!
وإنه عري السياسة غير المثير!

ليست هناك تعليقات: