الجمعة، 17 يونيو 2011

إنها سوريا يا أغبياء..!


أحسب أني أعرف الأردنيين كما لا أعرف شيئاً آخر؛ لا أخطئ في الاهتداء إلى أحدهم بين جمهرة من الناس، وأميزهم حتى وإن ساروا مع "نيو لووك"، ودون أن ينطقوا بكلمة..!
أهلنا الذين عمروا البيوت التي ولدنا فيها نعرفهم..!
بدون بطاقة هوية، ولا جواز سفر، وبلا تصريح أو تلميح، ودون أن نحتاج إلى تعريف أو تأكيد، او تأمل طويل في الملبس والسحنة، نعرفهم أردنيين من عتبة البيت إلى شاهدة القبر..
لا يشبهون الصغار، ولا أصحاب النفوس "الردية". ويستعرّون من "الدنية". لا يرشون الموظف الحكومي، ولكنهم مع ذلك يتعاملون مع الجابي كضيف فيستدينون الخراف واللبن والنار والقدر ويذبحون الذبائح، ويستضيفون في تحيته الضوف، ويمدون له المناسف، رغم أنهم يعلمون أنه سيضنّ عليهم بتخفيض الـ"خمسطعش نيرة" ضريبة المسقفات.
ذلك لأنهم يعاملونه كضيف واجب الإكرام!
ويذهلني أن تخرج من هذه البيوت أنفس "ردية"، تقبل على نفسها وبلدها "الدنية"؛ فتقبض عشرة من الدراهم وتعتدّ بربطات عنقها (ليتها كانت حبال مشانق!)، وتنافح عن الزور، وترتضي لنفسها أن تكون أدوات لسفارات وأبواق إعلامية..
يذهلني أن يخرج من هذه بيوتنا، نخب مدعية، تنكمش العباءة إن رميتها علي مثلها، ويجأر "العقال" رافضاً الرأس وصاحبه، لا يعقلون ولا يفكرون، ولكن يبيعون أسمائهم وأسماء عائلاتهم وأقلامهم، ويتاجرون بمعاناة أهلهم وأرضهم، ويسترخصون فلسطين والأردن في الأثناء..
لا شيء يستوقفهم إلا شطارة العدّ، وشطارة تلقي التمويل!
أحسب أني أعرف الأردنيين (ولا مجال هنا للحديث والتمييز عن "أصول ومنابت"، لأن لا فرق هنا)، فالتقاليد القويمة عامة، ويعتدّ بها ويحتد لها، الأردنيون حتى أولئك الذين تداعب خيالات أجدادهم جغرافيا أخرى، وحملت ألسنة آبائهم لغة أخرى.. 
كلهم بلا استثناء لا يسألون الضيف من هو قبل إكرامه!
يذهلني أن أصحاب الأنفس "الردية"، التي تقبل على نفسها وبلدها "الدنية"، قريبون مني إلى هذا الحد، ومن بين زملاء المهنة الذين قبضتهم "جد"، وخرجوا جميعاً من بيوت أردنية، وكانوا يزاودون علينا بالانتماء والولاء، وبالاعتناء بالديمقراطية والحرية والإصلاح..
لا يثبت على رؤوسهم "عقال"، ويقبضون من "السفارة"، ويكتبون في الدفاع عن عرض وحرية السكان في العمارة!
وإزاء أنفس هؤلاء "الردية"، التي تقبل على نفسها وعلى الأردن "الدنية"، لا أجد مع كل ما أشعر به من غضب ما أقوله لهم سوى:
إنها سوريا يا أغبياء..!

ليست هناك تعليقات: