عن اليرموك ومثقفين مخترقين

عادل سمارة 
qurmut2010@yahoo.com
إلى الرفاق ماهر الطاهر وأحمد جبريل، والصديق مراد السوداني
لافتة، ولكن ليست مفاجئة، تلك الهجمة التي بادر بها كثيرون ضد المقاومة بعد أحداث اليرموك. الأحداث التي ربما شارك فيها بعض أسر الشهداء معتقدين أن أبنائهم غُرِّر بهم. وهذا ضمن مخطط مُحكم له أدواته لتدمير سوريا كي تلحق بالعراق وفي النهاية الهدف تصفية فلسطين. وحين يعتقد الفلسطيني أن الشهيد مغرر به يكون قد استدخل الهزيمة والأطروحة الصهيونية بأن الاستشهاديين مجرد أُناس فقراء جوعى يرون الموت أفضل من الحياة. إن كان البعض من اسر الشهداء قد فعلها، فهو في الحقيقة لم يُصب بالحيف سوى نفسه، لأن الشهيد لا ينتمي لأسرته ولا يستشيرها بل ينتمي لقضيته، ولو كان الشهيد كمن يقلق على عَرَض الدنيا لكان مثل مثقفين في الأرض المحتلة ينعمون بضياع الوطن لقاء لحظة تطبيع، أو تذكرة طائرة أو وظيفة انجزة أو منحة أكاديمية.
لو كانت الناس تتوالد من أجل الموت لما كان الوجود. ولكن الفلسطينيين تحديداً يرفضون العيش الميِّتْ، وهذا دافع الشهادة الأساس. ولا تُنجب الأمهات أبناء ترمي بهم في فم الموت، لكن الوطن هو الأم الكبرى، أحببنا ذلك أم لا. نعم يجب أن نفهم مشاعر الوالدين ولكن يجب أن لا يُغرَّر بنا لنسقط في الخيانة بعد التضحية!
خرجت من المعتقل في عمان يوم 8 نيسان 1965 حيث كنت في حركة القوميين العرب وكنت اعتقلت أثناء محاولة التسلل إلى الأرض المحتلة من قرية بيت صفافا ومعي من القرية جبريل عوض وخالد سليمان. بعد خروجي جادلني أبي:
أبي: يا أخي مالك ومال فلسطين! اي اللاجئين مش عاملين إشي!
قلت، (كي أمتص هجمته) أنا لاجئ أليست لنا خربة الكُنيسة بجانب مطار اللد[1]. (طبعاً لم يعجب أبي هذا الجواب فقال)
يا ابن أل....هذه لي وأنا متخلي عنها!
هذه مشاعر الأهل، نحترمها ولا نطيعها.
كان ذلك ثاني اعتقال لي في عهد الأردن. أما في الاعتقال الثالث فتوفي والدي بالذبحة الصدرية على الرصيف مقابل المدرسة الهاشمية (مركز بلدنا حالياً بمدينة البيرة) كان يحاول الإفراج عني قال له حينها محمد داود (وهو من بلدة سلوان التي يجري ذبحها اليوم، ولم يكتب المثقفون الهاجمون على الشعبية والقيادة العامة وسوريا، لم يكتبوا عنها كلمة). كان الرجل ضابط الارتباط آنذاك مع العدو (وفي مذبحة أيلول أصبح رئيس الحكومة العسكرية) قال لأبي: "هذا قتلوه اليهود وأخذوا جثته". وحين سقط أبي أرضاً صرخت أمي ليحمله الناس ميتا إلى المستشفى. وأخرجت بكفالة 5000 دينار كي أحضر الجنازة. بعض أقاربي الذين لم يقم أي منهم أو من أبنائهم بأي عمل وطني حتى اليوم قالوا: قتل ابوه!
لم أتوقع بكل تشاؤمي أن يقل هذا اليوم مثقفون في الأرض المحتلة مهما حقدوا على الجبهة الشعبية (التي قتلت كبار الجواسيس هنا) وعلى أحمد جبريل (الذي أفرجت عمليات فريقه الرائعة عن 2000 أسير مؤبد) وعلى سوريا التي تصمد اليوم أمام طوفان الإمبريالية والصهيونية والوهابية وتركيا[2] والأنجزة.
والسؤال: هل دم أبي عندي أم عند أحفاد د. وديع حداد والحكيم أم في سوريا!!! ألم تقل العرب...هزُلت حتى سامها كل مفلس.
السيد والمناضل أحمد جبريل له تاريخ لا يحتاج إلى عرض، منذ بدء الجبهة الشعبية كنا معاً ودخلت مجموعات مشتركة إلى الأرض المحتلة منها من استشهد ومنها من أعتقل.
 هذه المرة الأولى التي أقول لك فيها ما يلي: حينما كنت تتحدث للجزيرة قبل ربما ثمان سنوات ذكرت شيئاً عن عملية مطار اللد وكان فيها بعض عدم الدقة فهي كانت مشتركة بيننا من الجبهة الشعبية وبين منظمتكم. لم تكن الجزيرة مكتشفة بعد، اتصلت بأحد موظفيها هنا، والذي كان يقول ذات وقت: "انا من تلاميذ عادل سمارة" أما اليوم...فالمالُ أعلم! قلت له لدي مداخلة للحلقة القادمة. لكنني كنت اشعر في داخلي بشيء مريب في هذه المحطة (تماماً كما اشعر حين التقي مثقفاً دخلته الهزيمة والتطبيع حتى بات صهيونياً)، فقررت أن لا أُداخل كي لا يُستخدم حديثي ضدك. وفي مساء الحلقة التالية قلت لـ"عناية" زوجتي ولأبنتي وابني لا تجيبوا على الهاتف الأرضي ولا النقال. واتصلت الجزيرة طوال الحلقة، وهذا زاد شكوكي. ولم اُشارك.
بالأمس نُشر بيان أيها السادة وقعته مجموعة تقول أنها مكونة من مثقفين ومخرجين ومخرجات...الخ.
لكنني، وإن كنت أفضل ذكر الأسماء، سوف أُحجم عن هذا الآن في حقبة موات العمل الثوري وتحديداً كي لا يُطالني قضاء بتهمة التشهير الحقيقي! إلا أنني أتحدى كل واحد منهم أن يتحلى بجرأة قليلة اقل كثيرا من كرهه للوطن العربي السوري، أتحداه أن يقول أنا لست هذا أو ذاك. وأتحداهم جميعاً أن يناقشوا أولادهم وزوجاتهم وبناتهم دفاعاً عن أنفسهم. أليس أكبر الهزائم أن يعرف الرجل أو المرأة أن أسرته تعلم أنه تافهاً؟ وأن الأسرة لا تجرؤ على مناقشته، فهو في البيت كتلة قمع، وفي الخارج يحمل لواء حرية المرأة وحقوق الإنسان وديمقراطية هيلاري كلينتون وديمقراطية الكيان الصهيوني الإشكنازي! ما أكثر المثقفين/ات الذين ينعمون بعار التطبيع.
يجب أن نتذكر تماماً ومليا ومطلقاً، أن كثيراً من المثقفين والأكاديميين وكثير من النادمين على ماضيهم الوطني، أو المستندمين في مشروع إثبات لمانحيهم ومموليهم في نشاطاتهم التطبيعية بأنهم لم يعودوا عربا ولا فلسطينيين، هؤلاء لديهم موتورية عالية ضد من صمد على موقفه. فهل من غرابة أن يحاولوا قتل ماهر الطاهر في الشام ويحاولوا قتله وقتل جبريل من هنا؟
بين من كتبوا ضد القيادة العامة وضد الجبهة الشعبية:
شيوعيون قدامي ممن يفتخرون بالاعتراف بالكيان (وهذا ليس موقف كل الشيوعيين) وهم كارهون للكفاح المسلح وأي نضال ضد الاحتلال.
وبينهم أكاديميين رشح احدهم كاتباً صهيونياً لجائزة نوبل (تُسمى للسلام) وذلك في محاولة التقرب إلى الصهيونية زُلفى وفي محاولة للظهور عبر التزلف للصهيوني.
وبينهم من يعملون مع مؤسسات الأنجزة التي تتلقى التمويل المسموم من الغرب العدو بلا مواربة.
وبينهم من له مؤسسة انجزة ولزوجها/زوجته مؤسسة أنجزة كذلك.
وبينهم من يعتاش من مؤسسة أوسلو سواء بالوظيفة أو التقاعد وأوسلو هي الاعتراف بأن 1948 هي إسرائيل.
وبينهم من يعمل في صحافة أوسلو.
وبينهم من وقع بيان الـ 55 منذ ثمان سنوات يشتمون العمليات الاستشهادية ونشرته الصحف بتمويل الاتحاد الأوروبي[3].
سألني ذات مرة مناضل هندي يعيش في كندا، اسمه جستين بودور Justin    Podur وكان قبل الكيان بمنع زيارة فلسطين لخمسين سنة: "أعجب لكم ايها الفلسطينيون، كيف تهاجمون من يقدم نفسه قرباناً لوطنه"[4]؟
فهل من عجب يا د. ماهر الطاهر أن يرجمك هؤلاء!!
كان يجب أن ننتظر لنعرف أكثر عن مجزرة اليرموك. وفي هذا اشكر الأستاذ زياد ابو شاويش الذي روى بهدوء وموضوعية ما حصل من هناك من مخيم اليرموك.
التقيت أمس عبد الرحيم جابر، وهو من أقدم وأفضل مقاتلي الجبهة الشعبية منذ كنا عام 1967.
قال: يا أخي الناس في اليرموك وهنا حاقدين على جبريل لأنه مؤيد للنظام السوري.
قلت: ليكن النظام السوري ما يكون، هل الضفة والقطاع محررة ويوتوبيا حريات وتنمية حتى ينشغلوا من هنا "بتحرير سوريا"؟ وإذا كانت فلسطين محررة، لماذا يتكدس فلسطينيون في مخيم اليرموك؟
استعاد عبد الرحيم توازنه وقال:
أشكر أحمد حبريل، لولاه حررنا لبقيت اقضي 19 مؤبداً في سجون الاحتلال.
كتب كثيرون، كل من بوسعه حمل القلم أن سوريا لم تحرر الجولان، وحينما سمحت سوريا بالتظاهر في الجولان، قالوا أنها تستثمر الدم الفلسطيني لحسابات خاصة. لن أقول ماذا تريدون من سوريا! فمن يرفض أن يرى لا يستحق أن يسمع.
كتب كثيرون وكثيرات أن القتل هو بيد قوى الأمن السوري. نعم لا شك ان نظاماً يدخل صراعا وطنيا وطبقيا سوف يقتل سواء دفاعاً عن النفس أو تثبيتا لمصالحه. لكن هؤلاء لم يذكروا قطعيا أن هناك متسللين عربا وكردا وأتراكا ويهودا ومسلحين من سوريا. لم يذكروا قطعيا أن أنهارا من الدولارات تدفقت على كل من هو للبيع وبالطبع إلى مخيم اليرموك. وهؤلاء خبراء في قبض الأموال، لماذا لم يبصروا ما يُعمي بصيرتهم؟
ما يهم هؤلاء هو: سقوط سوريا وليكن ما يكون!
لعل الحكمة المستفادة من مواقف هؤلاء هي:
أن من يستدخلون الهزيمة يعجزون عن الفصل بين الشعب والنظام والوطن. هم يرون الوطن والشعب مختزلين في النظام، لأنهم لا يؤمنون بالوطن أصلا. هل يؤمن بالوطن من يعترف بالكيان على أرض الوطن؟ هل يؤمن بالوطن من يطبِّع؟. ومن يؤمن بوطنه يناضل وإذا ناضل لا يأسف على ما قام به، وإذا تقاعد نضاليا لا يبيع نفسه[5]. يرى هؤلاء أن فلسطين هي سلطة الحكم الذاتي ولذا يخدمونها بإخلاص! أما وهم هكذا يحرصون على الوطن العربي السوري؟
مرة أخرى، ما يريده هؤلاء هو ضياع سوريا. لا يريدون للنظام السوري أن يُصلح شيئاً لأنهم تواقون كي تلحق أرض سوريا بأرض العراق، لتحويل ارض السواد إلى ارض الضياع!
لذا يصطف هؤلاء إلى جانب المعسكرين اللذين يمنعان الإصلاح في سوريا:
الغرب الراسمالي والصهيونية والوهابية السعودية والتركية، وكل أهل التسوية
وفريق النومنكلاتورا في النظام السوري نفسه.
بقي أن أقول للصديق مراد السوداني رئيس اتحاد الكتاب، إن المثقفين/ات الذين يهجمون عليك كي تبيع موقفك، لن يتوقفوا. وكما قلنا دوماً يكمن المقاتل خلف سلاحه ويكمن الكاتب خلف قلمه، وهي حرب غوار الثقافة، واليوم القلم (أصدق إنباء من الكتبِ-ابو تمام). ولكن ليس كل قلم وليس كل كاتبة أو كاتب.