السبت، 19 مارس 2011

حكاية الموسيقي الذي خذله «رجل أوروبا العظيم»

بيتهوفن.. إيمان لا يتزحزح بـ«العدل والحرية والإخاء»


لم يرتق بالموسيقى عموما، وبالفن السيمفوني على وجه الخصوص، وحسب، بل وبمكانة الموسيقيين أيضا، وبالنسبة لهذه الأخيرة، فقد أحدث تحولا، في النظرة إلى الموسيقيين ومهنتهم، يفوق ما يمكن أن تحققه حقبة بأكملها.

قبله.. كان الموسيقيون، ومنهم أساطين الموسيقى ومعلموها الكبار، يدخلون إلى البيوتات الأرستقراطية من باب الخدم، ويعاملون معاملة الأجير الوضيع، ويبدعون ويعدلون إبداعاتهم، بإملاءات السادة ووفقا لأهوائهم. ولكن كل ذلك تغير معه، فقد كان صاحب كبرياء، معتدا بنفسه وفنه، لا يؤجر عقله وموهبته لأهواء أي كان. فكان يمارس -من دون تردد- قناعاته الإبداعية والاجتماعية، ولم يقبل بمسلمات المجتمع المخملي الذي عاش في كنفه، ولم يتوان عن رفضها بحدة لا هوادة فيها.
 
ويقرّ له زملاؤه بأنه صاحب فضل لا مجال للشك فيه، وان الموسيقى ومهنة الموسيقي لم تبق بعده على ما كانت عليه قبله.

في واحد من «بورتريهاته» العديدة، يظهر بيتهوفن على نحو مختلف -انه يحمل عمره على وجهه، وقد بدا على وهن وضعف، لكن الشدة والصرامة والاعتداد، لم تغب وبقيت حاضرة بنفس القوة، غير انه يبدو هادئ النفس، مطمئن البال، اقل حدة، وأكثر استقرارا في طباعه. ويمكن أن تلحظ النظرة المتفحصة، أن الشدة تحولت إلى إيمان راسخ وعميق، والصرامة إلى وقار، والاعتداد استحال إلى ثقة وطمأنينة.

كانت السنون قد أنهكته، وأعياه المرض واستوطن في جسده، وخَبِرَ الحياة صعبة المراس، وتجاوز كثيرا من خيبة أمله بطبائع البشر، فبدا في «البورتريه» كزعيم هندي احمر، لم يبق له إلا وقاره، وإيمانه بعدالة قضيته، وثقته بالمستقبل، ورضاه بقدره. وهذا الـ«بيتهوفن» بالذات، هو من كتب السيمفونية التاسعة، التي واصل فيها تكريس معتقداته الفنية الإبداعية والاجتماعية والسياسية، متجاوزا ذكرى خيبة أمله بـ«رجل أوروبا العظيم».

ولكن بيتهوفن يظهر في «بورتريه» آخر، فريدا من نوعه، بصورة اقرب إلى الكلمات والأوصاف التي كان يطلقها عليه بعض علية القوم في فيينا عادة، ليس وحسب متجهما وعلى غضب وقاسياً وصارماً، ويبدو على شيء كثير من الصلف والعناد، وليس فقط ساخطا وناقما على حدة في المزاج ووعورة في الطباع وصعوبة المراس، بل وأكثر من ذلك، منفِّرا غليظا وشاذ السلوك وكريها ومنبوذا، معا!

ويبدو موقف الفنان المتحامل على بيتهوفن جليا، في خياراته الفنية التي بنى عمله بموجبها، فقد اختار في رسمه لبيتهوفن أن يكون مجرد تفصيل في مشهد يصور يوما عاديا في احد شوارع فيينا، التي وَفِدَ إليها بيتهوفن، ويظهره في مقدمة اللوحة ضئيلا مع مغالاة في تقزيمه، وتصويره بهيئة منفرة.

واشد من ذلك، فان الفنان يضع في مركز اللوحة، إلى الخلف من الموسيقي العظيم، بضعة أشخاص في تكوين يظهرون فيه، كأشخاص عارضين يتبادلون باستهجان حديثا حول شأن عارض، فيما يبدو بيتهوفن الذي يسير مبتعدا، وكأنما هو انسل للتو من بينهم، بعدما اقترف فعلا شائنا.

وعلاوة على ذلك، فان الهيئة التي يظهر عليها بيتهوفن في «البورتريه» تعيد استنساخ الهيئة التي صورته عليها كاريكاتيرات إحدى الصحف المحافظة في فيينا، بالضبط، ولا يلزم سوى إزالة الألوان، والإبقاء على الخطوط الرئيسة، ليتضح بجلاء أن الفنان رسم بيتهوفن على أساس «سكتش» كاريكاتيري.

في هذين «البورتريهين» نقرأ موقفين متناقضين من بيتهوفن، في الأول، يولي الفنان عناية بعمله، وباحترام وتقدير واضحين، يستقرئ شخصية بيتهوفن، متجاوزا المواقف المتحاملة التي كان يثيرها على شخصه، وقد لا يبدو في ذلك شيء أكثر من الحيدة الموضوعية والإخلاص للعمل الفني، ولكن هذه الحيدة والإخلاص، يبدوان إزاء الموقف المتحامل للفنان الثاني «موقفا» أخلاقيا، وانحيازا يحمل طابع كل ما عَرَضَ له التحامل.

غير أن كلا «البورتريهين» يعودان في المحصلة ليأخذا مكانهما الطبيعي في سياق قصة بيتهوفن، التي تسردها مجموعة ليست قليلة من «البورتريهات» الأخرى، التي تتشابه وتختلف، بزيادة ونقصان بعض التفاصيل، إلا أنها تتفق على تقديم بيتهوفن كرجل ذي كبرياء واعتداد شديدين، ليس بنفسه وحسب، بل بما يمثله، وهو لا يمثل الموسيقى فقط، بل ويمثل زمنا جديدا آمن بحتمية بزوغه إيمانا لا يتزحزح، إيمان كان يدفعه للتمحيص في ما يؤلفه من مقطوعات، والحرص على أن لا يُخضع إبداعه للاعتبارات الحياتية والآنية، سواء تلك التي تتعلق بحاجاته المادية والمعنوية الخاصة، أو تلك المرتبطة بحاجات السوق. وقد اشتهر عنه انه كان يهب بوجه ناشريه زاجرا بفظاظة، كلما جاءوا يستحثونه على الإسراع بإنجاز بعض مقطوعاته، قائلا:

-       «لا تستعجلوني هكذا.. فانا لا اكتب لكم. أنا اكتب للأجيال القادمة»!

ولم يكن هذا غرورا، ولا مجرد نظرة حالمة فرضت نفسها على خياله ووجدانه، بل كان خيارا إبداعيا وموقفا فكريا يستند على قناعات ومعتقدات اجتماعية وسياسية حية، اخلص لها، وظلت تشغل لبّه، وتؤجج خياله، إلى آخر يوم من حياته، ويذكر زوّاره في فراش موته، انه في ساعاته الأخيرة، وبينما هو تحت تأثير الحمى الشديدة، كان كلما سمع صوت الرعد يزمجر في الخارج، يهب من فراشه متوثبا، رافعا قبضة حديدية، يريد أن ينقض بها على عماء الطبيعة، وكان دوما يذكّره بعماء الطبائع البشرية التي تنحرف عن أفضل قيم الإنسانية: «العدل والحرية والإخاء». وذلك ما تظهره «بورتريهاته» العديدة، التي تسيطر على السواد الأعظم منها الألوان الترابية، أو فلنقل على وجه التحديد، اللون البني ومشتقاته التي تستمد منها النظرة المتأملة، إحساسا بالغموض والرصانة، والجدية التي تقود إلى عوالم الفكر المحض، والانشغالات المباشرة بالواقع.

كما ان التأكيد على هذا اللون ودرجاته، وتكرارها في «بورتريهات» بيتهوفن، يعيد للأذهان تلك الملاحظة اللافتة، التي يلتقطها إميل لودفيج، صاحب سير الأعلام الشهير «ومنها، سيرة لنابليون وأخرى لبيتهوفن» في توصيفه للفارق ما بين موتسارت وبيتهوفن، حيث يقول:

- «الفرق ما بين موتسارت وبيتهوفن، إن الأول يستلهم موسيقاه من السماء لينشرها على الأرض، أما الثاني فيستمدها من الأرض ليرفعها إلى السماء»!

وفي أكثر من «بورتريه» شهير له، يظهر بيتهوفن كصاحب وجه عابس ونظرة صارمة، فيما يذكّر شعره المنهك والمنسدل إلى الوراء بلبدة الأسد، ويبدو صاحب حضور قوي مهيب خليق بجنرال، لولا أن هذه «البورتريهات» التي تصوره على هذه الهيئة تنزع إلى نقل فضائها إلى مقدمة التكوين، ليشكل غلالة رقيقة شفيفة، تتمركز حول بؤرة تقودنا إليها النظرة الصارمة، وتنقلنا إلى حالة من التأمل العميق.

في هذه الغلالة، التي تقف ما بيننا وصاحب «البورتريه» كلوح من زجاج، تتكثف صفات رئيسة طبعت شخصية بيتهوفن: الصرامة الإبداعية، التي اتسم بها بناء أعماله الموسيقية، والصرامة الأخلاقية التي كانت تقوده إلى سلوك صاخب وعنيف.. بل وفضائحي أحيانا، في العلاقة مع مجتمع النخبة المخملي الذي كان يعيش في كنفه، كما يبدو فيها، ومن خلالها، الأثر الباقي والواضح لإعجابه بنابليون بونابرت.. ذلك الإعجاب الذي لم يخب تماما -على ما يبدو- رغم خيبة الأمل.

كما ويحيلنا التأمل في هذه الغلالة، إلى خيارات بيتهوفن الإبداعية، التي رأت إلى الجمال من خلال الجلال، فانطلقت تصدح في تبجيله والبحث في أغواره العميقة وامتداداته الواسعة المتشعبة والمركبة، لا إلى مجرد التمتع به والاستسلام لفتنته في أشكاله المباشرة، وهنا، مكان لرأي لبيتهوفن نفسه، فقد سأله احدهم ذات مرة:

- «ما الفارق ما بينك وبين موتسارت..؟»

فأجاب:

- «بسيط وواضح جدا، انه الفارق ما بين الجلال والجمال»!

غير انه في هذا الفارق «البسيط والواضح جدا» بالذات، تحدد مصير الرجلين على المستويين: الإبداعي والشخصي، ففي هذا الفارق تحديدا، تحضر الثورة الفرنسية -الحدث الجلل الذي هزّ أوروبا، وقلب الموازين الأخلاقية، وأذن ببداية عصر جديد بمفاهيم ومعايير جديدة في الحياة والفن.

وكان موتسارت قد حاول أن يستجيب للروح الجديدة، من خلال أوبرا «زواج فيغارو» لبومارشيه، احد الآباء الروحيين للثورة، إلا أن نجاحه هذا لم يسعفه في استيعاب الواقع الجديد، وكان بعيدا عن إمكانية التواؤم معه، وتفكر معانيه، وبدأ على إثر الثورة التي أفرزت معايير جديدة على حطام عصر الروكوكو، يشكو نضوب خياله، وعدم قدرته على التأليف. كان ما يزال، في تفكيره الإبداعي، لدى محاولته التأليف، يضع نصب عينيه عالما بات قديما.. ذلك العالم الذي عاش في كنفه وكتب له، ولكنه كان عالما يعيش اللحظات الأخيرة من تداعيه، إن لم يكن قد كفّ عن الوجود، ولم يكن غريبا أن ينتهي به ذلك إلى النهاية المأساوية المحتومة، كما ليس من المصادفة المحضة أن يموت في ريعان شبابه، في العام نفسه الذي بلغت فيه الثورة الفرنسية أوجها، وبُعيد فترة قاسية من معاناة الاضطراب العصبي القاتل، ونوبات شديدة من الهواجس والسوداوية العنيفة.

لقد كان موتسارت برقته المفرطة، وحساسيته الشديدة، ابنا أصيلا لعصر الروكوكو، فمثلت المفاهيم الجديدة في الفن والحياة، والانقلابات العنيفة التي جاءت بها الثورة الفرنسية، صدمات فظة وضربات قاضية إصابته في مقتل، تماما مثلما كانت بالنسبة للعالم الذي نشأ وعاش فيه.

لقد فصلت الثورة الفرنسية بين موتسارت وبيتهوفن، في مداركهما، وأوجدت الفارق في أفقهما الذهني؛ ففي حين كان الجمال يجد تعبيراته لدى موتسارت في موسيقى تكرس جوانبها العاطفية للبعد الغرامي، على وجه التحديد، واحتلت العلاقة بين الجنسين فيها كامل المساحة، جاءت مقاربة بيتهوفن لتنطلق من مفهوم الجلال، فعُنيت موسيقاه بالنواحي الأخلاقية والأبعاد البطولية، وبالتراجيديا الإنسانية، وأبدت انشغالا صارما بالجوانب الإنشائية والبنائية، واتسمت بالنزعة الفكرية المحضة، ويمكننا هنا، أن نأخذ كلمات بسمارك على محمل الجد لا المجاز حينما قال: «إنني ازداد شجاعة، كلما استمعت إلى سيمفونيات بيتهوفن»!

وفي حين مات موتسارت مثقلا بإحساسه الفجائعي والسوداوية اللذين نجما عن وعيه -الباطني- بنهاية عالمه وشعوره بنهايته الشخصية المحتومة، ابتعد بيتهوفن سريعا عن توجهات أواخر القرن الثامن عشر، ليلتحق بزمن الثورة الفرنسية، التي حركت لديه آمالا طالما راودته، فقد كان منذ بواكير شبابه ديمقراطيا متحمسا، ومقتنعا بالنظام الجمهوري، بل وكان على خلاف زملائه ومعلميه من أساطين الموسيقى، صاحب معتقدات اجتماعية وسياسية قوية، لم يندر أن نزعت إلى مستوى الغاية التي تبحث عن فعل يترجمها إلى واقع، ومن هنا كان حماسه للثورة الفرنسية.

من هنا، يأتي الفارق ما بين الموقفين المتناقضين من بيتهوفن، في «البورتريهين» اللذين سلفت الإشارة إليهما، فالأول، يصور بيتهوفن الذي حمل على كاهله النكسات التي مني بها على اثر حماسه الشديد للثورة الفرنسية، وخيبات الأمل والانعطافات الحادة، التي لم تؤد بالعملية التاريخية التي هلل لها، إلى نهاياتها التي كان يحلم بها، ولكنه بقي على قناعاته، مفعما بالرضى، لان تلك «العملية» إن حدثت مرّة، فستحدث مرّة ثانية، وثالثة، إلى أن تبلغ غاياتها.

ومن هنا، أيضا، جاء تقزيمه وتحقيره -عمدا أو دون قصد- في البورتريه الثاني، ذلك أن هذا «البورتريه» يعكس بوضوح رأي المجتمع القديم بهذا «المغولي الكبير» -على حدِّ تعبير أستاذه هايدن- فقد كان بيتهوفن يظهر، بمناسبة أو دون مناسبة، ازدراءه الشديد للأوضاع القائمة، كما كان يحجم عن إظهار آيات الاحترام لرموز ذلك المجتمع وعاداته، لا سيما في تعامله مع الموسيقى والموسيقيين، ناهيك عن أن معتقداته جعلته يبدو بالنسبة لمجتمع فيينا المخملي، شخصا شاذ السلوك والطباع، ولم يكن تهليله للثورة الفرنسية، إلا ليزيد الأمر سوءا.

ولم تلبث الثورة الفرنسية أن قادت بيتهوفن إلى الإعجاب بنابليون، وهو إعجاب سيتحول لاحقا لدى الانتلجنتسيا الأوروبية، ولا سيما في شرقها، إلى مرض واسع الانتشار، حيث شاع التنظير لـ«الكاريزما البونابرتية» في ما يعكس انهيارا في الإيمان بقوى التغيير ويأسا من إمكانية حدوثه، وتبريرا ذرائعيا للفردانية وغاياتها التي تبرر الوسيلة، وهو ما جعل الروائي الروسي فيودور دستويفسكي يكرس روايته «الجريمة والعقاب» لمناقشة هذه الظاهرة.

لكن بيتهوفن، كان بقوة معتقداته وبأصالة نزعته الأخلاقية، بمنجى من هذا المرض، وبالرغم من ذلك، فان إعجابه الفائق بنابليون «مقوِّض العروش الأوروبية على خوائها» انتهى بشعور مرير وبخيبة أمل قاسية، في حدث شكل بالنسبة له اعنف واشد صدمة يتلقاها في حياته.

.. كان بيتهوفن قد انتهى من سيمفونيته الثالثة «الاوريكا» وثبّت عليها إهداء لنابليون- رجل أوروبا العظيم، حينما وصلت أنباء باريس إلى فيينا، تذيع أن نابليون تخلّى عن الديمقراطية ونصّب نفسه إمبراطورا على فرنسا، وكان لهذا النبأ وقع الصاعقة على بيتهوفن، الذي اشتطّ غضبا، فمزّق الصفحة الأولى من المدوّنة وراح يدوسها بقدميه، في سورة من الغضب.

لكن بيتهوفن، يعيد لاحقا كتابة الصفحة الأولى من المدونة، ويثبت عليها بعد تردد، إهداء جديدا: «إلى ذكرى رجل عظيم.. سقط»، وبهذا يكون نابليون وعظمته، بالنسبة لبيتهوفن، قد أصبحا مجرد ذكرى، ومحض أمل لم يتحقق، ويواصل بيتهوفن حماسه للثورة الفرنسية، التي غدا ابنا روحيا لها، ويجد شعارها «الحرية والإخاء والمساواة» صداه في السيمفونية التاسعة، من خلال «نشيد الإخاء» لشيلر، الذي يلحنه بيتهوفن لسيمفونيته.

ولكن بيتهوفن الذي اصدر حكمه على «رجل أوروبا العظيم» سيظل يرفض أن يقارن نفسه بأحد، مهما كان، سوى نابليون، ولكنه أيضا، سيظل يردد إلى آخر أيامه بغيظ شديد: «لو تيّسر لي أن أتقن الفنون الحربية، اتقاني للموسيقى، لتحققت هزيمة نابليون على يدي هاتين!».

ويشعر المرء، لدى تأمل العديد من «بورتريهاته» الشهيرة، بان ثمة نابليون ما في بيتهوفن لكنه ليس مجرد نابليون صغير آخر، بل ذلك الذي تجسده الصورة التي رسمها له بيتهوفن في وجدانه.. ذلك الـ«نابليون مقوِّض العروش الأوروبية على خوائها» والذي يوظف الذكاء والبراعة العسكرية، لخدمة قيم ومثل عليا جديدة «تبجّل الجمال وتنتصر للإنسانية».

وربما يكون مبعث هذا الشعور، أن الفنانين صوروا بيتهوفن متأثرين بـ«بورتريهات» شهيرة لنابليون.. هذا وارد. ولكن الأرجح، أن بيتهوفن كان مسكونا ببطله إلى الحد الذي كان معه، في «بورتريهاته» التي تقرأه من الداخل، يحيل المتأمل مباشرة إلى نابليون ونظرته، على خلاف ما نرى في البورتريهين المشار إليهما سالفا: الأول، الذي يصور بيتهوفن هادئ النفس والذي اجتاز كثيرا من خيبة أمله في الطبائع البشرية، والثاني الذي يصوره بكراهية مجتمع فيينا المخملي، كائنا دميما وبغيضا.

ولكن من المؤكد أن بيتهوفن عاش مأساته الخاصة، حينما أدرك أن نابليونه الخاص أكبر.. أكبر بكثير مما أراد نابليون فرنسا لنفسه أن يكون، وليس هذا خطأ غير متوقع من بيتهوفن العبقري، فلطالما كانت نفسه تمور بآمال تتجاوز الواقع، مع ملاحظة انه يمكن غبطته على إيمانه الثابت بان الواقع لا يملك حصانة ضد الزمن.


ليست هناك تعليقات: