الأربعاء، 27 يوليو 2011

طاحونة مسكّرة ومَيّه معكّرة!


فيروز التميمي
 fairoozT@yahoo.com
«نط الشيخ عالتوتة، والتوتة بدها سلّم والسلّم، عند النجار، والنجار بدو مسمار، والمسمار عند الحداد، والحداد بدو بيضة، والبيضة عند الجاجة، والجاجة بدها قمحة، والقمحة بالطاحونة، والطاحونة مسكّرة، فيها مَيّ معكرة»
لا مزيد من الطواحين المسكّرة! ولا المياة المعكّرة! 
فُتحت الطواحين، وسال العكر مع صخور الكلمات القاسية. الأقربون الذين يرعون أصول «الأَوْلى بالمعروف»، هم أصحاب الفضل على الوسط الثقافي الأردني، في إخراجه عن مسارات الطبطبة والكلام الرمادي والجمل المكرورة، مثل العلكة الممضوغة!
كنت كتبت قبل سنة، أو ينيف، في يوميات نُشرت في إحدى الصحف: «مطلوب مشاكسين للوسط الثقافي الأردني. المؤهلات: قلبٌ عامل، والتماعة في العينين.
المسؤوليات: رفض التوافقات المريبة، التمرد على الانسجامات العشائرية، التقاط الكلمات المبرودة الحوافّ وتكسيرها، والتمرّد على نفسية القطيع!»
وصل المشاكسون: أمجد ضدّ سعود، وعليان ضد سميرة، وإسلام ضد نوال، وموسى ضد إسلام، وأبو نضال مع الجميع، وسعود ضد الجميع!
الثورة السورية أشعلت الحرائق في كل مكان في الوسط الثقافي الأردني، والعناوين صارت ذات معنى، البيانات نارية، والجمل غير مسبوقة، والمواقف الملوّنة من أقصى ألوان الطيف إلى أقصاها ملأت صحفنا ومواقعنا الإلكترونية. فلتحيا الثورات التي تبقُّ البحصات من الحناجر! اشتعلت الحرائق في كل مكان، هل نلطم؟
الأحرى أن نعتبره تعميداً وتطهيراً لكل العفن الذي طالما أحاط بجراحاتنا، فالحركة بركة، حتى وإن كانت في بدايتها حركة خرقاء. الهجوم الحاد والتراشق اللفظي والقذائف المعنوية أخرجت مثقفينا عن عادتهم غير الحميدة في المجاملة والهدوء الشائخ والوقار المغبّر. والمياه لا زالت معكّرة، لا بأس! فطالما سالت المستنقعات فالصفو قادم ورائحة العفن ستخلي جيوبنا الأنفية لصالح الطزاجة.
النصف الممتلئ من الكأس يا دعاة اليأس! النصف الممتلئ يقول: فلتحيا الثورات العربية التي أنجبت مشاكسين في الوسط الثقافي الأردني، هذا الوسط الهَني، الذي لا يعترض وإن عظمت الملمّات، الذي لا يرتفع صوته ولا يشكو ولا يزأر ولا يجأر، عديم المعني واللون والطعم والرائحة، الوسط البليد، الذي ينتقي كلماته باهتة ومتوازنة على الحبلين وأكثر.. الوسط الدبلوماسي حدّ القرف!
صحيح أننا ما زلنا نتهجأ أوليات الحوار والاختلاف، لكن أليست التهجئة أول الطريق إلى القراءة؟ وكيف يمكننا النضج إن لم نفتح أفواهنا «المُسَوقَرَة» وندلق ما في قلوبنا واضحاً وصريحاً وملوّنا؟ صحيح، ما زلنا نستقوي على البردعة ونعجز عن الحمار! ما زلنا نكفّر كل من يختلف معنا، وما زلنا نطلق كلمات القلب كالرصاص ونتمنى اختفاء الآخر!
أعرف أنني لست من المتفائلين، عادة، إذ يقترب التفاؤل – في هذا الوطن السعيد من الهبل! لكن لم أستطع تفادي التفاؤل إثر قراءتي لتعليق ياسر قبيلات على مقال لإبراهيم خليل حول نتائج انتخابات الرابطة.
يقول قبيلات جونيور غامزاً من قناة الدكتور، الذي لا أعرفه شخصياً، ولست أرد نيابة عنه: «في ظاهرة فريدة من نوعها، خرج القاص المتقاعد والناقد المتشاغل والأكاديمي الغائب د.إبراهيم خليل من رفوف النسيان، فجأة، وأصدر فتواه بشأن فوز تيار القدس في انتخابات رابطة الكتاب الأردنيين»، ويستكثر على سماحة إبراهيم «خطير» (تنابز بالألقاب!) أن يصدر هكذا فتوى بل ويستكثر عليه التساؤل: «ما علاقة موفق بالإبداع»؟
قصف «المغترب» ياسر قبيلات سماحة المنسي إبراهيم خليل قصفاً ثقيل العيار لأنه لم يثبت حضوره المستمر في الساحة الثقافية الأردنية وغاب! على عهدة قبيلات الصغير الذي لا يمكنه، ولو بتعزيزات قبيلات سينيور، الدفاع عن «إبداع» موفق محادين! يمكن لمرّاق الطريق الدفاع عن فكر محادين! يمكن له الدفاع عن مواقف محادين السياسية، والأثمان التي دفعها لذلك، سيكون دفاعه صحيحاً، الرجل اختار موقفاً ودفع ثمنه، الاعتقال وأيام الحبس والتعذيب والمرار، هذا لا يقلل من صلابة موفق مناضلاً، ولا ينتقص ممن لم يحبسوا ولم يعتقلوا، والأهم أنه لا يزيد من إبداع محادين!
ويسلّيني تشاطر قبيلات الصغير على الدكتور الخطير في هفوته المتعلقة بذكر مبلغ أجرة الرابطة بالدولار لا بالدينار، ويسلّيني تبريره للموقف في حاجة الرابطة لإيجاد مقر مناسب ومتسع! ولا يغريني ذلك بالردّ عليه ولا بدحض جملته.
ثلاثون ألفاً أم ثلاثة، بمسبح أو دون، بمزاج حكومي كمزاج حديثات الحمل أم بمزاج ثابت، لن أدعو قبيلات لتطبيق مبادئه الفكرية على الموقف نفسه، ولا أتحداه لإثبات إمكانية الاستقلالية الفكرية في ظل التبعية المادية! لكن سأدعو قبيلات الكبير المصرّ على استخدام الديالكتيك في تعاطيه مع الثورة السورية إلى التشارك بهذا الاستخدام مع شقيقه كي تكف المشاغبة نوال العلي عن سؤاله: ألديالكتيك حلال لك وحرام علينا؟
إذن، أخيراً، كشّر المثقفون الأردنيون عن أنيابهم، وأعلنوا مواقف صريحة، لا رمادية ولا باهتة، وأطلقوا قذائف لغوية من عيار «اغتيال» و«متاجرة» و«تكفير» بل وحتى «ديالكتيك»! تخيّلوا! مقالات صحفنا نحن تحفل بالأسماء الصريحة، بحديث غير موارب، والدنيا ربيع، والجو بديع!
نحمد الله أن دبّت الخلافات في وسطنا الثقافي، ونسأله -عز وعلا- أن يجعلنا من ذوي القلوب العاملة ويقدّرنا على رفض التوافقات المريبة والتمرد على الانسجامات العشائرية ونفسية القطيع!
(الدستور. 27.7.2011)

ليست هناك تعليقات: