الجمعة، 29 يوليو 2011

تواطؤ واستدراج وإعدام

يتجاهل موقع قناة ليبيا، التي أنشأتها قطر لدعم المجلس الانتقالي، خبر مقتل القائد العسكري لثوار ليبيا اللواء عبد الفتاح يونس، وعلى نحو مريب لا يأتي على ذكر الواقعة أو صاحبها أبداً؛ بينما موقع القناة الأم "الجزيرة" يكتفي بخبر وحيد مقتضب (لا ملفات ولا تحليلات ولا حلقات خاصة ولا ما يحزنون)، وتختار للخبر عنواناً محايداً على نحو مفاجئ: "مقتل القائد العسكري لثوار ليبيا".
الملفت أن "الجزيرة" تنسى يدها الطولى في بنغازي ومناطق نفوذ المجلس الانتقالي وسطوتها على أعضاء المجلس، فتورد تفاصيل الحادثة بالاستناد إلى خبر لوكالة "رويترز"..!
وبمثل هذه "الحيادية"، التي يبدو أنها لا تنشد الموضوعية إنما التقليل من أهمية الخبر وإيداعه طي النسيان سريعاً، نقلت "الجزيرة" بإيجاز تفاصيل المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس المجلس الوطني الانتقالي، لإعلان النبأ.
والتفاصيل هنا، في المؤتمر الصحفي الذي جاء أيضاً "محايداً"، كانت غائبة وتمثلت بعدد قليل من المعلومات العامة، وتلخصت بـ:
"إن رئيس أركان الجيش الوطني التابع للثوار في ليبيا اللواء عبد الفتاح يونس لقي مصرعه برصاص مهاجمين الخميس".
"إن المهاجمين قتلوا عبد الفتاح يونس بعد استدعائه من الخطوط الأمامية للمواجهات في مدينة البريقة، وذلك للمثول أمام لجنة من أربعة قضاة كانت تنظر في العمليات العسكرية".
ولا يوضح الخبر من الذي استدعاه، أو استدرجه!
ويواصل:
"تم إلقاء القبض على قائد الخلية المسلحة التي قتلت يونس واثنين من حراسه دون إعطاء مزيد من التفاصيل".
بينما تشير وكالة رويترز أنه "لم يتضح بعد المكان الذي قتل فيه يونس وحراسه، أو الكيفية التي عرف بها رئيس المجلس الانتقالي نبأ مصرعهم، لكن عبد الجليل قال إن المساعي جارية للعثور على جثامين القتلى الثلاثة".
وثمة تفاصيل أخرى لا تقل أهمية:
"لم يتضح سبب استدعاء يونس، لكن شائعات سرت بأنه أجرى محادثات سرية مع حكومة العقيد معمر القذافي".
"وحسب مراسل رويترز، فإن مسلحين اقتحموا مبنى الفندق الذي كان عبد الجليل يعقد فيه مؤتمره الصحفي وأطلقوا عيارات نارية في الهواء، وذلك بعيد الإعلان عن مقتل يونس".
والسؤال الآن: هل اغتيل اللواء عبد الفتاح أم تم إعدامه..؟
الحيثيات الوارد أعلاه، توحي بأن الضحية كان موضع ريبة، فقد تم استدعائه من الخطوط الأمامية في مدينة البريقة، للمثول أمام لجنة تحقيق عسكرية؛ ومن المؤكد أن عبد الجليل الذي عرف أن عبد الفتاح قتل، يستطيع الإجابة عن الأسئلة الحاسمة: أين ومتى وكيف ولماذا. كما لا يمكن له أن يكون جاهلاً بمصير جثة عبد الفتاح ومساعديه، إلا لأن الضحية ينتسب لقبيلة العبيدات أكبر قبائل الشرق الليبي، الذي يقيم المجلس الانتقالي في عاصمته بنغازي.
وبوسعنا هنا أن نلاحظ أن أحداً لم يشر بأصابع الاتهام للنظام الليبي. لا عبد الجليل فعلها، ولا "الجزيرة"!
رئيس المجلس الوطني الانتقالي، القريب من قطر بميوله الإسلامية، كان وزيراً للعدل في الحكومة الليبية التي كان فيها القتيل عبد الفتاح يونس وزيراً للداخلية. فهل تواطأ وزير العدل السابق في عملية إعدام زميله وزير الداخلية قبل وصوله إلى المحكمة العسكرية، التي استدعاه للمثول أمامها!؟
وهنا يجب أن نلحظ أن الحادثة أعادت خليفة حفتر، القائد العسكري المنشق منذ أواخر الثمانينات عن نظام القذافي، إلى قيادة جيش "الثوار" بعد أن كان استبعد عن قيادته، ليتم إسنادها لعبد الفتاح يونس؛ وكانت قد شاعت، حسب خبر سابق كانت قد نشرته "الجزيرة" وتتجاهله اليوم، أنباء بوجود خلافات في صفوف "الثوار" وتشتت ولاءاتهم بين الرجلين.
ويرتبط حفتر، العائد بعد سنوات طويلة أمضاها في الولايات المتحدة، وفق ما يشير تقرير سابق لـ"الجزيرة.نت"، "بعلاقات قوية مع بعض الدوائر السياسية والاستخباراتية الغربية خاصة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إي) التي دعمته وفق ما نقلت رويترز عن مركز أبحاث أميركي".
والسؤال حول مدى الاختراق الأجنبي الذي يتعرض له "الثوار"، يضاف له هنا سؤال حول مدى اختراق القذافي نفسه لهؤلاء؛ وحول مستقبل المجلس الانتقالي في الشرق الليبي.
 ذلك يضع، أيضاً، سؤالاً حول دور الاستخبارات الداعمة لهم؛ ويعيد طرح السؤال حول مسؤولية الإعلام وتورطه بالأحداث وتواطؤه مع بعض أطرافها، لا سيما بما يتعلق بـ"الجزيرة" صاحبة اليد الطولى هناك، إذ تختار أن تمر على الخبر مروراً عابراً، يدفن الأسئلة بادعاء الغموض وعدم توفر المعلومات، متجاهلة معلوماتها ومحصلة مركز دراساتها المنشورة على موقعها الاليكتروني، الكافية لفتح ملفات وملفات..!

ليست هناك تعليقات: