الخميس، 19 مايو 2011

السلطنة تنصح المملكة


انقسم أعضاء مجلس التعاون الخليجي بين رفض وقبول حول ضم الأردن؛ وهذا الانقسام الذي جاء وفق معادلة "نصف إلى نصف" كان كفيلاً، بتجميد الفكرة، لولا عاصمة الاجتماع الذي صدر عنه إعلان الترحيب بالطلب الأردني.
وخلفيات مواقف دول "المجلس" ربما تؤشر على دواعي هذا الترحيب المفاجئ، فقد جاءت كما يلي:
السعودية تريد بشدة، والقمة التشاورية التي رحبت بالطلب عُقِدت في عاصمتها الرياض، ونعلم أن مجلس التعاون لا يقرر شيئاً تتحفظ عليه "الشقيقة الكبرى"، التي إن أغفلت إعلان موافقتها على شيء أعتبر غير مقبول، بل ومرفوضاً.
البحرين تؤيد وتبارك، على الأقل لأنها دخلت منذ الحراك الشعبي فيها تحت وصاية "الشقيقة الكبرى"، ثم لأن عينها اليوم على الأسباب الإيرانية المحتملة من هذا التوسيع لعضوية المجلس، وهي لهذا وذاك لا تملك أن تكون إلا متشجعة.
في السياق نفسه، رعت الإمارات أول التسريبات الإعلامية حول انضمام الأردن المحتمل لـ"المجلس"، وأبدت علناً اهتمامها. وهنا نتذكر أنها تتعاطى مع "التهديد الإيراني"، باعتبار إيران تحتل ثلاثاً من جزرها.  

والإمارات، اليوم، "مملكة" تدار سياستها الخارجية أكثر من أي وقت مضى بتحرر من حذر "البزنس"، الذي كان سمتها الرئيسية، وتتجه لمواكبة تطلعات ولي عهد أبو ظبي بلعب دور سياسي خالص. والمدخل الطبيعي لمثل هذا الدور هو، بطبيعة الحال، إيران و"التهديد الفارسي".
ومن الملاحظ أن الإمارات كانت محطة رئيسية للسياسيين الأردنيين قبيل القمة التشاورية في الرياض، ثم ظهر أنها كانت عراب "الانضمام" ولعبت دوراً في تسهيل الموضوع..
ومن ناحية ثانية، فإن معسكر المعارضين لا يقل عدداً وأهمية، لولا أنه لم يضم السعودية، صاحبة الصوت الراجح في المجلس وولية الإرادة النافذة فيه..
الكويت، رغم أنها تتصدر إلى جانب البحرين جهود الاستنفار حول "الخطر الإيراني"، إلا أنها لا تجد في ضم الأردن إلى "المجلس" خطوة مقبولة ولا ملائمة؛ ومشكلتها الأساسية هنا، أن ذلك قد يشجع العراق على المضي قدماً في دفع طلبه للانضمام، وسيكون بعد قبول الأردن أكثر وجاهة وإحراجاً..
وهناك، دولة قطر، التي تجمعها بالأردن علاقة غرام وانتقام، فقد عارضت الفكرة، ويقال أنها وراء دعوة المغرب بهدف وأد الفكرة، من خلال إثارة مزيد من الانزعاج من مبدأ توسيع "المجلس". 
وخلافاً للدول السابقة، فإن قطر لا تنام على قلق الخطر الإيراني ولا تخشى "المد الشيعي" منذ أن تحولت من جزيرة إلى بارجة أمريكية وسط الخليج؛ لذا فهي لم تتردد في اللعب على أعصاب السياسي الأردني المتلهف، إلى أن جاء يخطب ودها..
وفي الجانب الآخر، هناك موقف ملفت من سلطنة عمان التي تتمتع بعلاقات تاريخية طيبة مع الأردن، فقد سجلت تحفظاً على الخطوة الخليجية تجاه "المملكة"، معتبرة بأنها خطوة ليست ضرورية لتأمين الدعم لعمّان، وأنها بالأساس غير مناسبة.
وبطبيعة الحال، من المفيد التذكر هنا، أن السلطنة تقليدياً صاحبة مقاربة مختلفة عن شقيقاتها في شأن الموضوع الإيراني، وتتمسك بالحوار والعلاقات الطبيعية معها، وترفض الاستسلام للهوس الخليجي حول "الخطر الفارسي"، وتحتفظ دوناً عن بقية دول الخليج جميعها بعلاقات طيبة وتاريخية مع إيران وصلات وثيقة حالياً مع الجمهورية الإسلامية..
وسجلت السلطنة، كذلك، موقفاً لافتاً في ما يتعلق بالوضع بالبحرين ومالت للتعامل معه باعتباره شأناً داخلياً وليس إقليمي، إذ لم تلب الدعوة برفد التدخل الخليجي بقوات عمانية، وأوفدت إلى ملك البحرين المأزوم موفداً رفيعاً أبلغه التعاطف والتضامن الأخوي الكامل، إلى جانب الاعتذار عن المساهمة في قوات "درع الجزيرة".
وللوهلة الأولى، يبدو هذا لوحده غير كاف لفهم موقف السلطنة؛ ولكن من يستذكر عمق العلاقات التي تربط بين السلطنة والأردن تاريخياً، وهي علاقات مدعومة بجانب شخصي جمع بين السلطان قابوس والراحل الحسين ومتواصل حالياً بنفس الزخم مع الملك عبد الله، لا يستطيع أن يفهم هذا التحفظ، إلا بوصفه نصيحة عُمانية لعمّان بالتنبه لخطورة القفز إلى مركب "المجلس"، الذي تأخذه رياح البعض باتجاه تحويله إلى حلف عسكري أمني موجه ضد طرف إقليمي بعينه.
وبالنظر، إلى أن التوقيت الذي جاء فيه طرح هذا الموضوع هو توقيت سياسي، بإمتياز، وتحفه الاعتبارات الأمنية الإقليمية من كل جانب، وهي من دون شك تلقي بظلالها شديدة الوطأة على العرض الخليجي واهدافه ومآله وثمنه، وتنحي جانباً الطلب الأردني بحيثياته وأولوياته وحاجاته وطموحاته الأصلية؛ فإن "التحفظ" العماني، الذي لم يسع لعرقلة انضمام الأردن إلى "المجلس"، قد يكون بالفعل نصيحة أخوية مخلصة وثمينة!

ليست هناك تعليقات: