الثلاثاء، 17 مايو 2011

أفلام تنتهي بموت البطل

يلجأ رب البيت "الأمي" أو غير القارئ إلى التلفزيون؛ وهذا حال البيت الأبيض، الذي تعتمد ثقافة أربابه على المشاهدات التلفزيونية والسينمائية، وبعض القصاصات من خطب وأقوال أسلافهم من الرؤساء الأمريكيين، التي تعد لعهم على عجل لتزويق خطاب (مسرحي) أو تصريح (تلفزيوني). 
لذا، ليس غريباً أن يكون التاريخ بالنسبة إلى هؤلاء، هو حصيلة مسلسلات تلفزيونية وأفلام وسينمائية، كما ليس مستغرباً أنهم كثيراً ما يتمثلون "حالة" تلفزيونية أو سينمائية، فيما تأتي أهم ملفات السياسة الخارجية على نسق أفلام البطولة الفردية، في حين تأخذ هذه الملفات في مرحلة استعصائها شكل المسلسلات ذات البطولة الجماعية (توزيع المسؤولية عن فشل محتمل)!
وهكذا.. انتهى مسلسل "النظام العراقي" الطويل بفيلم "إعدام صدام حسين"، الذي وصل إلى ذروته في مشهد تولاه كومبارس "عراقيون" بينما كان البطل الأمريكي مشغولاً مع حبيبته الشقراء بتصوير مشهد القبلة الذهبية، المحضر مسبقاً لاختتام الفيلم. 
وانتهى المسلسل البوليسي حول "تنظيم القاعدة في العراق" بفيلم الرعب الذي حمل عنوان "الزرقاوي"، الذي وصل إلى خاتمته بمقتل أبو مصعب الزرقاوي في مشهد حركة (آكشن) لا يحتاج إلى لقطة رومانسية تضبط المشاعر المتناقضة الأثر بما تحمله من خطر التعاطف مع البطل السلبي، الذي قد يثيره موته المفاجئ في النهاية. 
ورأينا غير ذلك الكثير من المسلسلات التي تحولت في النهاية إلى أفلام على ذات النسق، وآخرها فيلم مقتل أسامة بن لادن الذي يفترض أنه أنهى "مسلسل 11 سبتمبر"..
بطبيعة الحال، تحتكر الولايات المتحدة البطولة "الايجابية" في كل هذه المسلسلات، ويقف أمامها في البطولة المعاكسة (السلبية) حركات وتنظيمات غير شرعية، أو خارجة على القانون.. أو حتى دول تمت إعادة "مكياجها" لتبدو بالمواصفات نفسها، لتظهر في شخصية دولة مارقة، ثم اختزالها بعائلة أو تحويلها إلى مجرد تنظيم فاقد للشرعية، شرير، وشيطاني، والأهم.. خارج على القانون.
إنها وصفة أفلام الكابوي نفسها: البطل و"البطل" الخارج على القانون!
لقد امتلأ فضاء الساسة الدولية، في السنوات العشر الماضية، بالعديد من القصص و"الأفلام" و"المسلسلات"، التي تجري على هذا المنوال؛ بل أن العديد من الدول الأخرى اندفعت إلى إنتاج قصصها و"أفلامها" و"مسلسلاتها" الخاصة، بعدما بدا المكان في المشهد ما بين البطل الأمريكي و"الخارج على القانون" أضيق من أن يتسع لها.
لم تعد القضايا الدولية الحقيقية، تشغل شيئاً من اهتمام السياسة العالمية السياسة منذ أن انفردت الولايات المتحدة بتحديد معالمها وجدول اهتماماتها. فالقضية الفلسطينية، وغيرها من القضايا الجدية والهامة، فرض عليها الانتظار جانباً، لصالح الانشغال بمشهد مطاردة عنيف، يلاحق فيه البطل الأمريكي خارجاً على القانون، في بعض أنحاء العالم الثالث، الذي عليه أن يتحمل برضا وامتنان كل ما يلحق به من خسائر فادحة يتسبب بها "التصوير"، لقاء الشهرة التي يجلبها له ظهوره في المشهد الأمريكي العنيف.
وبمرور الوقت لم تعد السياسة الدولية حقلاً يختص به أهلها؛ فحالها هذا بات يتطلب خبرات أخرى لا تندرج في باب العلوم الإستراتيجية والسياسية، وبات خبراء الجريمة المنظمة وجرائم الحرب والإبادة إضافة إلى المشتغلون بتحليل الأفلام والعقد البوليسية أكثر اختصاصاً وعلاقة، من سواهم، وأكثر قدرة على التعاطي معها وفهمها.
لقد تحولت السياسة، على المستوى الإعلامي إلى مادة ترفيهية، يتم ترويجها في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية والألعاب الإليكترونية على حد سواء. وعلى المستوى الواقعي أضحت منظومة لإدارة الجرائم بحق الأفراد والشعوب (تصل في حالات إلى مستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي؛ كما يحدث في العديد من بقاع العالم).
ومن الواضح هنا، أن الحاجة إلى العدو الفرد أو التنظيم غير الشرعي أو الدولة المارقة، تتلخص بضرورة إيجاد عدو يمكن تكييف شخصيته لتتماهى مع شخصية "الخارج على القانون"، الـ"مطلوب حياً أو ميتاً"، كما رسخته سينما الكابوي في العقول. وضرورة هذا "الخارج على القانون" أنه يلبي الحاجة لاختزال كل الضحايا في الصورة النمطية لكومبارس لا ينشغل المشاهد حتى بإحصاء عددهم.
ومشكلة أفلام "الواقع الأمريكية" المعاصرة المنتجة في واشنطن، أنها خلافاً لأفلام "الواقعية الأمريكية" التي تنتجها هوليوود، مهددة دائماً بالخلاف حول أبطالها؛ ففي الغالب العميم، يندفع الجمهور إلى التعاطف مع ذلك البطل الذي قرر المنتج الأمريكي أنه سلبي، ويأنف ذلك الذي روجه بطلاً ايجابياً!
والمشكلة الجديدة الأهم، التي يواجهها المنتج الأمريكي في واشنطن، أن إنتاجاً واقعياً للحياة (وليس الأفلام) قد بدأ في العالم العربي، يقدم بطولات جماعية وفردية، في جانبي المعادلة الدرامية، سلباً وإيجاباً، ولا تنتهي بموت البطل!

ليست هناك تعليقات: