الاثنين، 16 مايو 2011

الهم الذي لا يرضى بالهم


التـشاتم "الأخوي"، بدأ على صفحات الانترنت؛ مواطنون من مختلف دول الخليج اعتادوا على الاعتقاد بأن "الانتماء الخليجي" مرغوب ومطموع به من "الأخوة" العرب، ولا يدانيه شيء..
وأردنيون يعتقدون أنهم سيأتون بـ"الذيب من ذيله" مكافأة للأخوة "الخلايجة"، الذين اقتنعوا أخيراً، أن لا مناص من الاعتراف بحاجتهم الماسـة للكفاءة الأردنية، والعقل الأردني، والإدارة الأردنية..!
وفي الواقع، فإن حرب التعليقات على الصفحات الإلكترونية، تكشـف أول ما تكشف عن الجهل المستحكم في الطرفين، ومقدار اليأس الذي يعيشـانه، ومقدار الخـراب الذي طال بنيتهما الشـخصية، التي لا تجد أسلـوباً تعبر فيه عن اعتدادها بهويتها سـوى "العنطزة" الفارغـة، ولا ترى في المعادلة إلا ميزان حسناتها دون الطرف الآخر..!
ولا ينتبه أحد منهما، في خضم هذا الواقع المشـوّه، أن هنـاك معطيات مفاجـئة لكليهما معاً، وأول ذلك أن دولنا نشـأت وتكون وعيها في حضن الاسـتعمار. وكما في كل "الحالات الأبوية"، فإن مجتمعاتنا أخـذت عن "الدولة" وعيها المسـتلب للمستعمر..!
وبدءاً، بالشعب الأردني "الشقيق"، فإنه سـيفاجأ أول ما يفاجـأ بأن "الأُخـوّة العربية" لا تكـاد تنافـس في الخليج حقائـق الجـوار والتواصل التاريخي مع شـعوب وأقطار مثل الهنـد وباكسـتان وحتى إيـران..
وأن هذا التواصل يتجذر عميـقاً في الثقـافة المحليـة، وبـات حقيقـة صلبة، لا فكاك منها، حتـى وإن أراد أحـد ذلـك. وأن هذا الجوار والتواصل يوفر العمالـة، بدءاً من أرخصها إلى أكثرها كلفـة؛ إلى جانب الاستـثمارات الكبيرة؛ وأن الخليـج ليـس مشـغولاً بالبحث عن العقـول والكفاءات، ولا يشغـل نفسـه في تقييمها، فهو يتعامـل هذا المضمار مثل أي مسـتهلك ممتلئ، فيلجأ إلى شـراء "الماركة" بضمير مرتاح، وهي هنا خبـرات وعقـول أوروبيـة وأمريكيـة وأسـترالية (وجنسـيتها بالطبع هي علامة كفاءتها!)..
وليس لديه مشـكلة في كلفة ذلك..
وبالمقابل، سيكتشـف الأردني أيضاً، أنه هـو بتكلفته الزهيدة وعطـاءه الكبير، لا يثير رضـا "أخوه" الخليجي لأنه ليـس "ماركة"، ومن بـلاد، هي ككل بلاد العرب (ومنها بلدان الخليج نفسها)، سمعتها الأعظم في الإدارة.. فساد،؛ فأين يمكن لـ"الكفاءة" و"العقل" أن ينميا خبرة مهنية في أجواء غير صحيّـة، ولا احترافية!
وبالتالي، فإن القواسم المشتركة، وبعض التشابه مع الخليج الذي سـيعتد به الأردني، ليس في صالحه، كما يحسب، بل هو دليل إدانته، وسبب في تبخيسه وعدم ايفائه حق قدره..!
ويكتشـف الخليجي، بدوره، أن جنتـه لا تطـاق بدون مكيف، ورزمة معقـولة من الدولارات؛ وأنه في لحظـة تالية، سيكون موضع شـفقة من قبل ذلك الشـقيق القـادم من أطراف الشـام، الذي يرى في منامـه ما لا يراه هو في أحلامـه، ويقتـنـص من الحياة وهوائها، ما لا يمكن أن يمنحـه المكيف أو "الهايبر سـوبر ماركت"..!
وأن فكرة أن يكون "خليجياً"، لا تحرك غروره أبداً..!
ويكتشـفان معاً، الأردني والخليجي، أنهما يجهلان بعضهما البعض، وأن ما جمعهـما هو شـيء خـارج عن إرادتيهما، ولا يملكـان أن يفعـلا إزاءه شـيئاً؛ هما مضطـران لبعضهما البعـض، الأول مدفوعـاً بفشل السياسة في بلده بكل المجالات، والثاني بانهيار برج الأوهـام الذي ابتـناه حول قـدرة الثروة على تجـاوز حقائق الجغرافيا والتاريخ..
ويكتشفان، أخيراً، أن الواقع أقوى من التشـائم والمتشـاتمين أنفسهم!

ليست هناك تعليقات: