الحدود التي استقبلت خطوات الشباب العائد إلى
جغرافيا الحقيقة، بدت بالأمس أقرب من طاولة المفاوضات؛ بدت معلومة الموقع، سالكة
الدروب، لا تحتاج إلى خارطة طريق، ولا مبعوث أمريكي تخيب رجاءاته في مكتب رئيس
الوزراء الإسرائيلي، فيسارع إلى "المقاطعة" ليعلن من منصة يتقاسمها مع
صائب عريقات أن العلة في "الإرهاب الفلسطيني"!
ويوم أمس كان تاريخياً يوماً تحتفل فيه أجيال من
الصهاينة، بانتصار "الوعد التاريخي" المزيف على الحق التاريخي، الذي
تشرد أهله، وحكم على أشقائهم أن يعيشوا ممنوعين من التنمية والحرية كرمى لعيون
الإسرائيلي طوال عقود، مرت عاماً بعد عام يختزلها يوم النكبة المشؤوم، الذي انتفض
بالأمس ليكون يوماً للعودة..
لأول مرة، لا يكون يوم النكبة مأساوياً!
وليس الأمر مزحة، وإن بدا في أوله كذلك؛ ففي
تونس بدأ التغيير مثل الكذبة. لم يصدقها شين الهاربين بن علي، فإذا به على متن
طائرته لا يدري في أي مطار يهبط، قبل أن يمن عليه الله بمنتجع جدة السياحي للرؤساء
المخلوعين العرب!
وليس الأمر خدعة، فزمن توكيل الأنظمة وسياسيها
الفاسدين انتهى. وزمن الصفقات من تحت الطاولة انتهى. وزمن العرب المهزومين انتهى. وابتدأ
عهد تصر فيه الشعوب العربية على المشاركة، وتقرير مصيرها، وأخذ زمام الأمور
بيدها..
إنه بحر الشعوب العربية الذي رمت إسرائيل
بغطرستها نفسها فيه، ولم يرمها أحد!
وهي حكمة التاريخ، وحركته التي لم يقرأها أحد من
الزعماء والحكام الذين وقعوا الاتفاقيات، وأدمنوا الجلوس إلى طاولة المفاوضات؛
ونسوا أن الاحتلال ليس جديداً على فلسطين، وأن أطول فترة احتلال عاشتها لم تتجاوز
الخمس وتسعين سنة، فيئسوا من أول خمسين عاماً، واستسلموا للحبر المسموم، ووقعوا،
ثم وقعوا في مستنقع المفاوضات التي قضمت أصل الاتفاقيات المقضومة أصلاً!
ربما، لأنهم غرقوا، قبل ذلك، بوهم أنهم أعظم من
صلاح الدين..!
وليتني أراهم اليوم بينما يرون أن الحدود أقرب
من طاولة المفاوضات، والخطوات أسرع من حبر الاتفاقيات، ولا حاجة لانتظار الرعاية
الأمريكية، وما من داع للتمسك بمقررات الرباعية الدولية؛ أما مجلس الأمن الدولي
فربما يكون جديراً به أن ينسحب من الحياة، لأن الشعوب لم تعد بحاجة لأكثر من صفحة
"فيس بوك" لتقرر مصيرها، وتندفع للقيام بمسؤولياتها!
أتذكر: منذ عامين، أو أكثر قليلاً أعلن المتهم
الأول بـ"المغامرة غير المحسوبة" الشيخ حسن نصر الله أن نهاية "إسرائيل
باتت قريبة جداً"، كان جازماً، ولم يكن يتنبأ، وكان هادئاً ولم يكن يتوعد، بل
كان عازماً ويقرأ نبض الشعوب العربية، التي فاض بها..
والأمر بسيط: "الشعب يريد العودة"!


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق