السبت، 3 ديسمبر 2011

الأردن و"جيل حمد"


لن يكون الأردن عضواً في مجلس التعاون الخليجي. وهذا جيد. ولكن ليس صحيحاً أن الكابوس اليوناني، أو مأساة منطقة اليورو، هي ما "حرم" الأردن من هذه العضوية؛ بل لأن الباب فتح من جديد لاستخراج فكرة "المجلس" الأصلية من الأدراج، واعتمادها بدل الفكرة المعلنة التي جرى تطبيقها..
الفكرة الأصلية، للتذكير، لم تسع لتقمص "الاتحاد الأوروبي"، بل كانت تستحضر "حلف الأطلسي". وكان يقف خلفها دافعو فواتير الحرب العراقية الإيرانية: أي، أمير الكويت الراحل جابر الأحمد الصباح ورئيس دولة الإمارات الراحل زايد بن سلطان آل نهيان.
وهي فكرة نبذها قادة الخليج، آنذاك، الذين كان يريحهم خوض الحروب بالواسطة، وممارسة السياسة بـ"الريموت كونترول". وقد رأى هؤلاء أن حلفاً عسكرياً أمنياً صريحاً، من شأنه أن يورطهم في الصراعات الإقليمية مباشرة؛ فاستبعدت الفكرة وقتها باعتبارها "سابقة" لزمانها وأوانها، وتحتاج لوقت وظروف، ومعطيات غير متوفرة في حينه.
اليوم، الوحيد الباقي على قيد الحياة من مؤسسي "مجلس التعاون الخليجي"، هو سلطان عمان، بينما الملك السعودي الذي يطمئن إلى طبيعة المجلس الحالية.. مريض، ولم يعد يتدخل بالتفاصيل. إلى جانب أن "درع الجزيرة" القوة العسكرية للمجلس، التي تم تأسيسها مطلع التسعينات على إثر الاجتياح العراقي للكويت، باتت تحتل مكانة متزايدة.
وبالمقابل، فقد حل مكان هؤلاء الجيل الثاني من أبناء العائلات الحاكمة (جيل حمد و"درع الجزيرة")، وهم خريجو المعاهد والجامعات الأمريكية، مبهورون بلا تحفظ بالغرب سياسة واقتصاداً، ويتصفون بجموح شره للعب دور سياسي إقليمي مباشر، ومندفعون باتجاه صفقات تسوية لقضايا المنطقة، كرمى لعيون "البيئة الاستثمارية" وتوحيد الصف في مواجهة إيران.
وهكذا، يعاد توصيف وبناء "المجلس" باعتباره حلفاً، وتصبح "قوات "درع الجزيرة"، التي لن تبقى قوات عربية مهلهلة، في قلبه وجوهره. بينما سيتم تعظيم قدراتها بدعم أمريكية، تسليحاً ومساندة مباشرة من القدرات العسكرية الأمريكية الموجودة فعلاً في الخليج.
وعليه، هل يستطيع الأردن الذي نجا من عضوية مجلس التعاون أن يغرد منفرداً، إلى جوار الخليج، بينما هو ينأى بنفسه عن علاقة مستقلة ومباشرة بمعسكر المقاومة، اعتماداً على تواصل خاص مع السيد الأمريكي، الذي يتجه لتوكيل الخليج وبعض دوله "العظمى" التي لا تحتاج لقروض ومساعدات، وتتكفل بتكاليف المغامرات..؟
الصورة قاتمة، ما لم يسعفه القدر بوضع يتبلور فيه عمق حيوي ومتصل يمتد من إيران إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا؛ وما لم تستعد مصر هويتها، ويلتقط العالم العربي التائه حالياً أنفاسه ليوازن الاندفاعة الخليجية لتطويب العالم العربي!
من سخرية القدر، أن نجاة الأردن الذي يواجه بالصدود من الخليج، مقرونة بفرص معسكر المقاومة في تحصين نفسه؛ في حين أن نبذ "المجلس" للأردن يمثل واحدة من الإمكانيات التي أتاحها ما يعتبره الخليجيون نجاحاً في تطويق دمشق!

ليست هناك تعليقات: