الجمعة، 21 أكتوبر 2011

الدعاء الأمريكي المستجاب


قبيل مقتله بأقل من ثمان وأربعين ساعة، كانت الأب الروحي لـ"الثوار الإسلاميين العرب"، صاحبة الصون والعفاف هيلاري كلينتون، تحط في مطار طرابلس؛ وهناك ابتهلت إلى العلي القدير أن يثبت أقدام "الثوار" ويمكنهم تمكينا، وأن يجنبهم الشهادة ويرزقهم النصر المبين بقتل القذافي وعائلته أو أسرهم، جميعاً..
ويصدف أن أمريكا من أهل الدعاء المستجاب، الذي لا يرد..!
وربما تكون الطائرة العسكرية الأمريكية الهائلة، التي وصلت السيدة كلينتون على متنها إلى طرابلس، قد أنزلت أحمالها من البركات والمعجزات و"آيات الرحمن في دعم الخلان"؛ فأوقعت الرعب في قلب العقيد وجماعته، وجعلتهم يفرون دون سبب واضح، في ضوء الصباح، من "سرت" التي كانوا استطاعوا لمرات متتالية خلال أسابيع من دحر مهاجميها ودفعهم للتراجع المذل والمهين.
انعكس هذا الانقلاب المفاجئ والسريع بالوضع الميداني في فوضى إعلامية هائلة، بدت واضحة من خلال التضارب الكبير، الذي يصل إلى حد التناقض، في تصريحات المهاجمين حول ما جرى؛ فبدوا على شاشات التلفزة مجرد أشخاص يحاولون نسج روايات تفسر ما حدث، رغم أنه يفترض أنهم صانعي الحدث، والواقفين عليه.
ولم يقتصر هذا التناقض على "الثوار" فقط، بل وطال سلوك الناتو، حيث أكد الفرنسيون بإصرار أنهم أوقفوا موكباً يضم القذافي وأبناءه؛ بينما قدمت الروايات الليبية الميدانية أكثر من سيناريو للحظات الأخيرة، ورأينا على شاشات التلفزة أكثر من "ليبي" يدعي أنه هو من ألقى القبض على القذافي وقتله. بينما راح المجلس الانتقالي و"الجزيرة"، في الساعات المتأخرة، يؤكدون روايات أخرى مشكوك فيها، تفيد بأن مقتل الرجل وقع في ظروف "قتالية"، متجاهلين أن مقاطع الفيديو، التي بثتها في وقت سابق "الجزيرة" نفسها، أظهرته وابنه المعتصم حيينً بأيدي الثوار.
المؤكد أن الرجل وابنه أعدما بطريقة همجية، تفتح المجال للقول بأن مستقبل ليبيا لم يتساو مع ماضيها وحسب، بل وتفوق عليه بأشواط كبيرة غير مسبوقة، بإهدار الكرامة الإنسانية والعدالة وتجاهل أبسط الحقوق التي تؤكد عليها الشرائع والقوانين، بطريقة مشينة لا تنبئ بخير.
والمؤكد، كذلك، أن الناتو والمسؤولين الفرنسيين، الذين يصرون على دورهم الحاسم في تمكين "الثوار" من القبض على العقيد وأقرانه، مسؤولون جنائياً بصفتهم الرسمية والشخصية، عن المعاملة التي لقيها هؤلاء في أسرهم الوجيز، وعن قتلهم وتعريضهم لهمجية الغوغاء من أعدائهم؛ وهذا دور عائلة العقيد وذوي رفاقه وحق لليبيين جميعاً..!
لقد أثبت هذه الأحداث أن العقيد الليبي ليس أسوأ ما حدث لليبيا، كما كنا نتصور خطأً، فالمجلس الانتقالي ومليشياته، بحاضره ومستقبله الذي يبشر به، قدم خلال يوم واحد من الأمثلة على سوء المصير الذي ينتظر هذا البلد المنكوب، ما لم يقدمه القذافي خلال ما يزيد عن أربعين عاماً.
لقد بتنا نعلم، اليوم، أي شرعة وشريعة يريدها لبلداننا "الإخوان المسلمون" وأشباههم من الظلاميين!

ليست هناك تعليقات: