السبت، 22 أكتوبر 2011

مشتقات نفطية جديدة

المشهد الليبي، الذي رأيناه بالأمس، حمل دلالات خطيرة في ثنايا الروايات المتناقضة حول مصير القذافي، ومن أخطرها: أن "الناتو" يدير العمليات على الأرض مباشرة، دون المرور بالمجلس الانتقالي، الذي يفترض أنه القيادة السياسية والعملياتية لـ"الثورة".
لقد بدا ذلك واضحاً وصريحاً من خلال روايات صغار المقاتلين، الذين رووا الآلية التي تلقوا فيها الأمر بملاحقة القذافي، وكذلك من انعدام القدرة لدى أعضاء المجلس، ومنه الناطق الأمريكي بإسمه "محمود شمام"، حتى ساعات متأخرة، على إعطاء ولو معلومات عامة حول الموضوع، بينما كان الفرنسيون يقدمون التأكيدات تلو التأكيدات.
بل أن مسؤولاً هولندياً، أكد مقتل القذافي قبل أن يستطيع المجلس الجزم بذلك!
الدلالة الخطيرة الأخرى، تكمن في الجوهر الحقيقي لهذه الأحداث البليدة والجهولة، التي تدار من خلال تحويل الشعب إلى دهماء غاضبة ومنفلتة، وتحويل "الثورة" إلى غضبة رعاع همجيين، تقودهم الغرائز الحيوانية في القتل والانتقام. وإعطاء هذه الدهماء المتأسلمة الحق بإيقاع القصاص على من تشاء، وبالطريقة التي تشاء!
وفي هذا الجانب، يجدر بنا أن نلاحظ أن أصدقاءنا الإسلاميين، على مختلف درجات تشددهم، يهللون لجريمة الحرب التي ارتكبها "الناتو"، بحق القذافي، لمجرد أنهم يبغضون الرجل، ولأن القتلة كانوا طليقي اللحى، ويلهجون بخطاب ديني، مزخرف بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية!
ولا يمكننا، هنا، إلا أن نتساءل: إذا كان هذا هو الحال في التعامل مع القذافي نفسه، فما الحال مع عامة مؤيديه، وغيرهم من السكان المحايدين، الذين لا يدينون بالولاء لـ"الثوار"، المدججين بالأسلحة والحقد والهمجية، وسط كل هذه الفوضى العارمة..!؟
بالطبع، ليس لدى إسلاميينا هنا، على ما يبدو، متسع لتذكر أحاديثهم الطويلة العريضة حول تسامح الإسلام، وحرصه على حياة الأسرى، وحفظ كرامتهم الإنسانية، وغير ذلك من "الكليشيهيات"، التي يحبون تكرارها حينما لا يتعلق الأمر بهم..!
إنه الرياء بعينه، وعلى أصوله!
وهنا، يعطينا نموذج "القصاص" الإسلاموي الليبي، وأنصاره المتأسلمين، اليوم، فكرة واضحة للغاية عن طبيعة ذلك الإسلام، الذي يجري تسويقه على نطاق واسع في مختلف الأقطار العربية؛ وهي بالتأكيد ليست النسخة التي لطالما عرفناها، وعايشناها بوصفها مكوننا الحضاري والثقافي التاريخي الأهم. بل نسختهم هم، تعبر عن جوهرهم، وتكشف زيفهم وجهالتهم، ومسنناتهم التي تركب بسهولة مع سياسات الناتو، وتدور مع ماكينته، ولكنها تفشل في التوائم مع مشروع عروبي نهضوي.
إنها نسخة ظلامية تتغذى على الجوهر النازي لـ"الناتو"!
هي النسخة الظلامية نفسها التي دمرت بلداننا أخرى عديدة، وثكلت شعوباً بأكملها، وأعادتها إلى القرون الوسطى؛ كما شهدناها في أفغانستان بالتفاهم مع الغرب في البداية، وبالنزاع معه في التسعينات ومطلع الألفية الجديدة في أفغانستان والصومال، في حالتين متباينتين لم تختلفا في نتائجهما الكارثية، ما ينبئ ببؤس القول بـ"جهادية" الإسلام السياسي، وبؤس نموذجه الذي ينشده، وعدائه للحياة والكرامة الإنسانية وللتغيير الحقيقي الذي تطمح إليه الشعوب!
وهنا، بينما نتأمل كل ذلك، لنا أن نتذكر أن هذا النموذج هو إحدى المشتقات النفطية الجديدة، التي أدخلتها قطر إلى قائمة صادراتها؛ فهل نحن في مصر أو تونس أو سوريا أو الأردن، بحاجة لهذه المعونة النفطية، التي تقود إلى الآخرة مباشرة!

ليست هناك تعليقات: