الأحد، 23 أكتوبر 2011

أحداث بليدة وجهولة

تساءل البعض، في وقت مبكر من عمر الأحداث العربية، عن سر غياب القصيدة وصمت الإبداع عموماً إزاء ما يحدث، وعدم مواكبته الحالة العربية المتأججة.
يبدو السؤال للوهلة الأولى منطقياً، فالثورات تطلق بالعادة ظواهر إبداعية قبل وأكثر مما تطلق رصاصاً؛ في حين نحن اليوم إزاء أحداث تستخدم لغة تجافي الإبداع، وتعادي قيمه التحررية والتقدمية، وتغرقنا بسيل جارف من الرداءة، حتى في أبسط أنواع خطابها (الهتافات)، كما تلعب دوراً محورياً في انحدار مستوى مجالات كانت قبل ذلك تتوافر، بأقل تقدير، على الحدود الدنيا من الأداء السليم (الإعلام).
والحال أن ثمة خطب ما، يجعلنا لا نتساءل حول الإبداع فقط، بل وحول هذه الأحداث نفسها، التي بدلاً من أن تطمح للتعبير عن نفسها بخطاب راق (والإبداع من أسمى ألوان الخطاب الإنساني)، راحت تعبر عن نفسها بالرداءة، ونابذ التعابير، وشائن السلوك؛ لدرجة يبدو معها من المفهوم جداً أن لا تستثير في المبدع ذاته الخلاقة، ولكن اشمئزازه الإنساني، ومخاوفه وهواجسه البشرية.
الأمر لا يتعلق فقط بالمبدعين الذين يستريبون من هذه الأحداث، بل ويطال كذلك من يؤيدها منهم، فكل ما جادت به قريحتهم من دفاع عنها لم يزد عن الزعيق والبكائيات الاعلامية، دون أن تستثيرهم هذه الأحداث إلى حدّ التعبير عنها ابداعياً؛ وهم لا يلامون، فأي إبداع يمكن أن ينجم عن الاستهتار بالأوطان والإنسان، وأي مبدع هذا الذي يمكن أن يتطوع لتمجيد أحداث تعيد المجتمع إلى حقبة ما قبل الدولة.. لا بل إلى حقبة ما قبل التنظيمات الاجتماعية البدائية التي تقوم على رابطة الدم.
ويمكن هنا التحقق من أن هذا السؤال بحد ذاته ليس مهماً بوصفه استقصاء عن العافية الابداعية، بل من حيث هو يكشف عن حقيقة الإبداع باعتباره مؤشراً فعالاً للكشف عن الاتجاه الحقيقي للحراكات الكبيرة، التي تعصف بالمجتمعات، ولا يعود المرء قادراً على تحديد إلى أين تقود. 
وعليه، تبقى القاعدة أن الفكرة الثورية الحقيقية القادرة على شحن الأفراد العاديين بروحها، إلى درجة جعلهم يقررون التضحية بأنفسهم في سبيلها، هي أكثر من ذلك قدرة على استفزاز وإثارة الذات المبدعة، وإلهامها. اما الأحداث التدميرية، فهي تعجز عن أن تعبر عن نفسها ولو من خلال أبداع رديء..!
لا أقصد محاولة إثبات أن هذه الأحداث بليدة وجهولة إلى حد لا يمكن معه أن تكون ثورات، فلا حاجة هنا إلى ذلك؛ ولكني وحسب أشير إلى هذا!

ليست هناك تعليقات: