الأحد، 18 ديسمبر 2011

للكارهين: روسيا.. روسيا!


واجهت روسيا مأزقاً شبيهاً بالمأزق السوري الحالي طوال عقد التسعينات كاملاً، وخرجت من رحمه قوية منيعة واستعادت مكانتها الدولية؛ وكان قد جرى، قبل ذلك، التهيئة لانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه، بنوعية مماثلة من الأحداث (ناغورني كارباخ)، قبل أن تتواصل بعد ذلك مع روسيا في عهدها الجديد، في مناطق وبؤر أخرى منها.
وأهم ما يمكن الإشارة إليه في تلك الأحداث الروسية المريبة هو أن فلاديمير بوتين، رجل روسيا القوي اليوم، هو من وضع نهاية لها، وتكفل بإطفاء تلك البؤر، ومعالجتها.
 وعالجها بآخر العلاج: الكي بالنار..!
ولمزيد من الإزعاج لمن ينزعج، كان بوتين في حينها، في الموقف نفسه، الذي فيه الرئيس الأسد اليوم، مع فارق رئيس، هو: أنه لم يكن لديه حليفاً (يفهمه ويتفهم موقفه) اسمه فلاديمير بوتين!
فلاديمير بوتين، ولحسن الحظ، يترك للمؤلفة قلوبهم في السياسة متابعة "الجزيرة" و"العربية"، ولا يعتمد عليهما ليعرف حقيقة الوضع في سوريا وآفاقه المحتملة ومآلاته المتوقعة؛ فهو مدين بصعود نجمه السياسي لفهمه وخبرته وأدائه في التعامل مع الأحداث المشابهة في روسيا؛ وهو اليوم حينما ينظر إلى سوريا يرى بخبرته أمرين:
-        السلاح الذي يتحرك في سوريا لا يمكن أن يكون محلياً، باجتماعه وأهدافه وغاياته، وهو يمتلك بالضرورة امتداد خارجي (بالعربي: عميل)!
-        إن تقديم تنازل لحملة السلاح، السياسيين والميدانيين على حد سواء، لن يكون تنازلاً محلياً من الدولة (أو الحكومة) لفئة من شعبها، ولكنه تنازل للخارج، ويصرف سياسياً واستراتيجياً في بنوك الخارج!
وهنا، يأتي هذا التنازل على حساب روسيا، مثلما على حساب سوريا الوطن والدولة المستقلة المقاومة والممانعة، فلا يتخيل أحد أن بوتين يمكن أن يطالب سوريا (خصوصاً بقرار بمجلس الأمن) بأن تمنح حملة السلاح بوجه شعبها الفرصة لفرض ما يريدون وما يريد أسيادهم!
يدرك بوتين، كذلك، أن معالجة الأزمة شيء آخر غير إدارتها؛ فالإدارة تقتضي التعاطي الدبلوماسي، والمعالجة تفرض الحسم العسكري إلى جانب الإصلاحات الجادة، وهو يعرف أن الديمقراطية الغربية التي تتيح للولايات المتحدة شن حروب إبادة جماعية باسمها، لا تعيق حزباً أو جماعة أو فرداً من السيطرة على الدولة.. والمجتمع إن أراد!
الأمر الآخر: البعض يعتقد أن روسيا تتمنع وتفاوض على ثمن مالي؛ ويبدو أن لا علم لهؤلاء أن روسيا، اليوم، بعائداتها النفطية أغنى من الخليج الذي يسعون ليكونوا غلمانا له، وأن روسيا حققت نسبة نمو غير معهودة في الاقتصاديات الحديثة لا توازيها فيها إلا الصين، وأن بوتين الذي كان قد وجه صفعة لصندوق النقد الدولي في أواخر التسعينات لدى استلامه رئاسة الوزراء، برفضه استلام الـ9 مليار دولار الأخيرة التي كان يحتجزها الصندوق من قرض قيمته 21 مليار دولار، وكان يبتز بها حكومات يلتسن العميلة للغرب على مدار عامين، هو نفسه اليوم الذي يعرض على الأوروبيين استعداده لإنقاذهم من أزمتهم المالية، وإنقاذ "اليورو"، وبكلماته: "خصوصاً من خلال صندوق النقد الدولي"، الذي كان يرى في قروضه عقود تملك الدائن للمدين، وليست مجرد عقود دين.
وعود على بدء: بوتين مدين بصعود نجمه السياسي لمقاومته الشرسة والدموية الناجحة للأوليغارشية في وطنه والنفوذ الغربي والقضاء على الأزمات الدموية في روسيا التي كان يغذيها الخارج؛ وروسيا مدينة له بوقف انحدارها وتمكينها من استئناف وجودها كقوة عظمى..
واليوم يصمد الأسد، ويقدم الفهم الواضح والدقيق لما يجري، و"يدير" الأزمة ويُضحك العالم على حمد وجامعته العربية، و"يعالج" الأزمة بتوفيق يُفقد حمد، الفاقد صوابه، قدرته أن يفقد صوابه؛ فأي مكانة سيحتلها هذا الرجل، وأي مكانة يصنعها لسوريا، وكم عدد صغار السياسة ومؤلفتها الذين سيفقدون صوابهم حينما تدلهم عقولهم وضمائرهم ذاتها، وليس أي أحد آخر، على موقعهم في الدنيا كعملاء ومرتجفة قلوبهم وخونة من أرخص الأنواع!

ليست هناك تعليقات: