الجمعة، 13 يناير 2012

لافروف.. مزاج خرتشوفي


الناس الذين يذكرون حذاء خرتشوف في الأمم المتحدة وتطربهم سيرته، لا بد تمتعهم معرفة بعض الحيثيات عن وزير الخارجية الروسي الحالي سيرغي لافروف، وتحرك فيهم بعض "الطرب".
وتأخذ هذه الحيثيات، التي تعكس مزاجاً خرتشوفياً لا يخلو من فظاظة، أهمية خاصة حينما نعلم أنها وجدت طريقها للتطور من مجرد صفات شخصية لدبلوماسي إلى لمسة شخصية في سياسة خارجية للدولة؛ لذا من المثير متابعة تجليات هذا المزاج في بداياته ونهاياته، وملاحظتها ابتداء في حوادث بسيطة..
في الحادثة الأولى، وتعود إلى وقت من تسعينات القرن الماضي كان فيه لافروف يشغل منصب المندوب الدائم لروسيا في الأمم المتحدة، حيث شن في خطاب له في المنظمة الدولية هجوماً حاداً، خرج عن الأطر الدبلوماسية وبدا مفاجئاً، ضد البلد المضيف (الولايات المتحدة)، لتجاوزاتها في التعامل مع البعثات الدبلوماسية وقيامها بتحديد حركة أعضاء البعثة الروسية وأسرهم في الولايات المتحدة.
لم يحتمل الأمريكيين الواقعة، لا سيما أنها جاءتهم من مندوب روسيا يلتسن الذي كان طوع اليد ويغرق في "العسل" الأمريكي، فحاولوا معاقبته، وهكذا فوجيء لافروف في يوم تالٍ بإحدى سيارات شرطة نيويورك تتوقف على نحو لصيق بسيارته، بحيث منعته من التحرك. وحينما حاول استعجال الشرطي وحثه على الابتعاد عن طريقه، أقدم الشرطي على سحب مفاتيح سيارة الدبلوماسي الروسي من مكانها، على نحو استفزازي، قدر الأخير أنه مقصود.
أثارت الحادثة، كما هو متوقع، غضب لافروف الشديد، فأثار الأمر على أوسع نطاق، وأصر على أن تقدم الحكومة الأمريكية اعتذاراً رسمياً لروسيا. ولم يثنه عن ذلك أن حكومته لم تشجعه وكانت ميالة للتعامل مع الأمر باعتباره مجرد سوء تصرف من "شرطي"، فأصر على ما أراد إلى أن تحقق له؛ وكان من اللافت أنه حصل على ذلك الاعتذار بعناده الشخصي، لا بقوة حكومته.. بل دون مساندتها.
والحادثة الثانية، وهي تعود لهذه المرحلة ذاتها؛ فقد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة، حينها، كوفي عنان مذكرة تقضي بمنع التدخين في مبنى الأمم المتحدة، بناء على قرار من عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ، الذي حظر التدخين في الأماكن العامة، وأرسل تعميماً للأمم المتحدة؛ فأثار الأمر سخط لافروف ورفض الامتثال للتعليمات، بينما راح يهزأ بالأمين العام علناً ويصفه بـ"المدير المأجور" لدى مايكل بلومبيرغ، وأصر على أن ليس من حق "المدير المأجور" ولا سيده إعطاء الأوامر لممثلي البعثات الدبلوماسية، وأنفرد حتى نهاية عمله في الأمم المتحدة بالتدخين بتحدٍ وبشكل علني.
في الحادثة الثالثة، لم يستخدم لافروف حذاءه مثلما فعل خرتشوف، ولكنه كان لجأ إلى طريقة لا تقل فظاظة في التعامل مع الغرب، وفق ما ذكرت الغارديان البريطانية، التي نشرت تفاصيل حديث هاتفي أجراه وزير الخارجية البريطاني ديفيد مليباند في العام 208 مع لافروف، ليحتج فيه على اجتياح روسيا لجورجيا؛ وحينما بدأ الوزير البريطاني يذكر زميله الروسي بضرورة احترام القوانين الدولية وما إلى ذلك من هذه اللهجة، جاءه الرد صاعقاً من لافروف، إذ انفجر في وجهه قبل أن ينهي المكالمة قائلاً: "من تحسب نفسك يا ابن القحبة لتتجرأ على إعطائي المحاضرات..!".
ولاحقاً، لم ينكر الوزير الروسي الحادثة، ولكنه قال ممازحاً أنه كان يريد وحسب إعطاء الزميل البريطاني فكرة عن المخزون الأخلاقي في لغة رئيس جورجيا ساكاشفيلي، الذي يدافع عنه!
أريد من كل هذا، ومن الإشارة إلى هذا المزاج الخرتشوفي، أن أعيد التذكير بالحادثة التي تعرض لها السفير الروسي في مطار الدوحة قبل نحو شهرين؛ فهي كما تشير كل الدلائل تأتي في سياق الرد على شخص ما في روسيا كان القطريون قد توجهوا إليه، قبيل الفيتو المزدوج، لعقد صفقة تسمح بتمرير القرار البريطاني الفرنسي لإدانة سوريا؛ فتلقوا رداً صاعقاً يعادل المبلغ المضاعف الذي تم عرضه.
والمعطيات التي تم تداولها حينها في الإعلام تشير إلى أن القطري الذي فعل ذلك هو أكثر سكان هذا البلد صفاقة على الإطلاق (وأنا بهذا أكون صرحت بهويته كاملة حتى الجد الخامس!)؛ وتشير حادثة السفير الروسي في مطار الدوحة بالمقابل إلى طبيعة وفظاظة الرد الذي تلقاه، ولن ينساه..
وعليه، فإن رأيتم سياسياً قطرياً فاقداً لأعصابه أو عقله، لا تلوموه. وكونوا على ثقة بأنه لا يلام، فقد لقي وواجه شيئاً يجعل من فقدان العقل والأعصاب شيئاً متوقعاً..!

ليست هناك تعليقات: