الخميس، 19 مايو 2011

المنتدى والإعلام والسبات الشتوي

يعقد "منتدى الإعلام العربي" هذه الأيام دورته العاشرة تحت شعار "الإعلام العربي وعواصف التغيير"؛ وهذا الشعار الذي لا يقيم علاقة واضحة بين ركني الموضوع، "الإعلام العربي" و"عواصف التغيير"، ويبقيها في مستوى المعطوف والمعطوف عليه، قد يكون مبرراً باعتباره يرمي إلى فتح أفق واسع ومفتوح أمام المداولات والنقاشات. ولكن هذا، في واقع الحال، يجعل "المنتدى" مطالباً بالمرور على جملة من القضايا، التي قد تحتاج كل واحدة منها دورة لوحدها.
وعلى أية حال، فإن في هذه اليافطة العريضة، ما يمكن تناوله في عجالة:
بطبيعة الحال، فإن التغيير سنة الحياة، التي يفترض أن مهنة الإعلام تقوم على ملاحقتها ومتابعتها ومواكبتها؛ ولكن الإعلام العربي في غالبه العميم، كان في عقله الباطن، وفي ما وراء سطوره، ينافح عن الجمود، ويتغنى بحالة السكون، ويشيد كل في بلاده بحالة السبات الشتوي الطويل التي عاشها مجتمعه، بل ويلعب دوراً في إطالة أمده. ويسوق كل ذلك على أنه استقرار.
والإعلام، اليوم، في هذه اللحظة التي تخرج فيها المجتمعات العربية من سباتها الشتوي، يواجه واقعاً جديداً، يفرض عليه تحديات غير مسبوقة، ولم يخبرها من قبل؛ وأول هذه التحديات أن يفيق هو نفسه من حالة السبات الشتوي الطويل، ليواكب التغيير الذي يسري في عروق المجتمعات العربية.
كان الدور السياسي للإعلام العربي دوراً محلياً، ولكن كثيرا منه يلعب اليوم دوراً على مستوى اقليمي، فتحول من مجرد تقديم الخدمة الإعلامية للدولة في مجتمعها، إلى خدمة سياسات الدولة في أفقها ومحيطها الإقليمي. وهذا التحول لا يعكس تغيراً في طبيعته، ولكنها مجرد استفادة من التطورات التقنية والتكنولوجية، التي فتحت المجال أمام "إرسال" أبعد وأسرع.
وهنا، يجب أن نلاحظ أنه برغم الصفحات والاهتمام بالسياسة الدولية، التي تحتل حيزاً مهماً في الصفحات، إلا أن الإعلام العربي هو، في مجمله وبغض النظر عما يعتقده المشتغلون فيه، إعلام محلي، رغم الدور الإقليمي الذي يناط به ويلعبه؛ ذلك لأن منطلقاته ومرجعياته ورؤيته محلية صرف. وهو ينجح ويفشل بحسب ما ينجح ويفشل في إدراك ذلك.
في بلدان مثل بلدان العالم العربي، حيث الدولة تتمثل حصراً بالحكومة وأجهزتها وإداراتها، وحيث هذه الأخيرة تمثل المرجعية الأولى والأخيرة لكل السلطات، ومنها السلطة الرابعة، فإن ذلك يبقي الإعلام العربي محجوزاً في خانة الإعلام الرسمي، بغض النظر عن كونه مملوكاً للدولة أو للقطاع الخاص أو لأفراد.
والمعنى البسيط لما سبق أن القضايا الأساسية للإعلام العربي تنبع من طبيعته، كإعلام رسمي ومحلي؛ طابعه الرسمي يجعل منه أداة حكومية لا اجتماعية، وطابعه المحلي يجعله يجير مهنته خارج مجتمعه لحساب دولته، أو بالأحرى حكومته. وبالتالي، فإن الإعلام العربي إذا ما أراد أن يلحق بركب المجتمع الذي بات يعيش لحظة التغيير، فإن عليه أن يفيق هو نفسه من حالة السبات الشتوي الطويل التي يستسلم لها، الأمر الذي يقتضي بالدرجة الأولى معالجة طابعه الرسمي، لتصحيح وضعه كإعلام محلي.
المسألة لا تتعلق بالجرأة والسقف المهني والسياسي، فهذه تفاصيل في السياق؛ ولكنها تتعلق بالتعديل الجذري لعلاقة الإعلام مع الثالوث المتمثل بالحكومة والمجتمع والمعلن، التي وصلت نقطة التماسك فيها إلى حالة رخوة:
الحكومات بالعقلية التقليدية التي ترى فيها إلى الأمور، ما زالت تصر على أن يكون الإعلام مرسلاً من طرف واحد، وتتمسك بنوعية خطاب عفا عليه الزمن، وتلزم الإعلام على الالتزام به.
المجتمع (القارئ) رغم انشغاله بالإعلام الترفيهي، سواء الرقمي منه أو التلفزيوني، إلا أنه ما يزال يؤمن بأن الصحيفة الورقية، هي الإعلام الحقيقي، الذي يعتد به، ولكنه بالمقابل لا ينشغل بقراءتها.
المعلن، الذي يتأثر بشدة بموقف ركني العلاقة السابقين، لا يجد إرواءً لظمئه الإعلاني إلا بالصحيفة الورقية، ولكنه يميل بشدة إلى تلك التي تحظى بارتياح حكومي، وقبول، ولو دون قراءة، من المجتمع فالإعلان، بالأساس، يكتفي بالتصفح، وقادر على الاستغناء عن القراءة.
وبالمقابل، فإن الاستسلام لهذا الواقع يضع الوسيلة الإعلامية أمام تحد صعب، إذ ستتحول إلى مجرد مساحة إعلانية، وعلى المدى المتوسط يؤدي إلى خسارتها موقعها، طالما وجدت وسائل أخرى (ورقية وغير ورقية) تتوافر لديها الإرادة بالخروج على هذا الواقع، ومحاولة تغيير علاقتها بثالوثها الحيوي.
ومن يبادر إلى التغيير، يكون له السبق والريادة، ومن يحجز الريادة لنفسه، يسيطر على المعادلة؛ وبالمقابل، فإن الاستسلام إلى حالة السبات، ليس آخرها إلا خسارة الدولة، والمجتمع، والمعلن!
قضية أخرى وليست أخيرة، فإن منتدى الإعلام العربي الذي يتناول الإعلام والتغيير، يضع تفكيرنا إزاء ثلاثة مستويات: الماضي والحاضر والمستقبل؛ في المستوى الأول نتحدث عن ما قدمه الإعلام للمجتمع، وفي الثاني نتحدث عن دوره ومشاركته وعلاقته باللحظة الراهنة وعملية التغيير نفسها، وفي الثالثة تفكير في دوره المستقبلي واستشرافا لمستقبله.
ومن المؤكد أن خللاً جوهرياً شاب أداء الإعلام في المستوى الأول والثاني، ولكن يبقى الأمل أن يستعيد الإعلام العربي وعيه في مرحلته الثالثة المقبلة!

ليست هناك تعليقات: