الجمعة، 20 مايو 2011

سخرية القدر وابتسامته

الوحيد الباقي على قيد الحياة من مؤسسي "مجلس التعاون الخليجي"، الذي تشكل من الدول الست التي اشتركت في اجتماع وزراء الخارجية في الرياض بتاريخ 4/2/1981، هو سلطان عمان. وهو حاكم الدولة الوحيدة في المجلس التي تستند إلى إرث وحضور تاريخي كدولة. كانت في مرحلة ما امتداداً وجواراً ساحليا لليمن السعيد، وهي مشهورة بمدنها التي بناها الفينقيون على السواحل وحملت نفس أسماء المدن اللبنانية، وأشهرها مدينة "صور".
بقية المؤسسين ماتوا؛ وربما ماتت معهم فكرة المجلس الأصلية المعلنة، التي تحددها وثيقة التأسيس التي تم توقيعها في العام نفسه بأبو ظبي، بما يلي:
"تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الآتية: الشؤون الاقتصادية والمالية الشؤون التجارية والجمارك والمواصلات الشؤون التعليمية والثقافية الشؤون الاجتماعية والصحية الشؤون الإعلامية والسياحية الشؤون التشريعية والإدارية. دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها".
ليس في ذلك حرب، ولا سياسة..!

كان العراق في مطلع الثمانينات قد شن حرب الخليج بالوكالة ضد إيران. ولم تكن دول الخليج، التي استفادت من التخريجة العربية حول دول الطوق ودول الدعم، معنية بخوض الحروب مباشرة، ولا الدخول في معترك السياسة صراحة. فكانت تمول الحروب والسياسات. واستخدمت هذه التخريجة في حرب أفغانستان ضد السوفيت والحرب مع إيران الثورة.
والأهم، لم يكن من السهل، في حينه، إقناع أي من قادة دول الخليج، بأنهم قد يضطرون لمواجهة ما تواجهه الدول، من أزمات وحروب مباشرة ودون إمكانية توكيل لقوة "شقيقة" أو "صديقة"؛ وهؤلاء كلهم ماتوا، ولم يبق إلا واحدا.
ويبدو أن هذه "الفكرة الأصلية"، لم تكن سوى فكرة معلنة، تخفي أخرى مضمرة، رأى أصحابها أنها "سابقة" لزمانها وأوانها، وتحتاج لوقت وظروف، ومعطيات غير متوفرة في حينه. ويكفي هنا أن نتذكر أن تأسس المجلس جاء أصلاً باقتراح من دافعي فواتير الحرب مع إيران أي أمير الكويت الراحل جابر الأحمد الصباح ورئيس دولة الإمارات زايد بن سلطان آل نهيان.
وبالتالي؛ فإن المجلس الذي سجل خطوة كبيرة بالاتجاه "العسكري الأمني"، على إثر دخول القوات العراقية للكويت، في الثاني من آب عام 1990، ويراقب اليوم بقلق مآل القوة الأمريكية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، قد تبلورت لديه الرؤية وتوافرت له الإرادة للاتجاه بالمجلس باتجاه أهدافه المضمرة، بالاستعاضة عن العراق، باستخدام قوة عسكرية "وافدة" بمنحها تأشيرة انضمام للمجلس!
ولكي لا نغفل سخرية القدر التي تتجسد، أحياناً، بمصادفات مفاجئة، فهناك قاسم مشترك ما بين "المجلس" والأردن؛ فقد تم التوقيع على ميثاقه في أبو ظبي 25 أيار 1981، وهو عيد الاستقلال الأردني!
وبعضنا، بكل تأكيد، سيرى في ذلك طالعاً حسناً، وابتسامة وضاءة من القدر!

ليست هناك تعليقات: