السبت، 23 أبريل 2011

سطوة القيادة الخفية

شهادة الزميل الصحفي وائل البتيري حول اعتصام السلفيين وأحداث الزرقاء تنقض الرواية الرسمية، أولاً. وتؤكد انضباط المعتصمين، ثانياً. وتؤكد أن البلطجية ليسوا حركة عفوية منفلتة، بل جندرمة وكتائب "شعبية" لها قيادة تتمتع بالسلطة، التي تحرج حتى المرتبات العليا من ضباط الأمن العام، ولها من السطوة أن تدفع أفراد هذا الجهاز بمجاملتهم من خلال المشاركة معهم في بلطجتهم.
ومن الملاحظ، أن شهادة البتيري تؤكد أن أحداث الزرقاء جاءت اجتراراً لأحداث ميدان جمال عبد الناصر، حيث سطوة هذه قيادة البلطجية الخفية تحرك أفراد الأمن العام في الميدان، وتسيطر على أدائهم بشكل يفوق سيطرة ضباطهم الميدانيين؛ وهو أمر لا يمكن أن يكون عادياً في ظل ما نعرفه من انضباطية لدى أفراد الأمن العام لقيادتهم، في حين أن صمت ضباط الجهاز وقيادتهم حول هذه الظاهرة، والإصرار على عدم ملاحظتها مراراً وتكراراً، هو كذلك أمر مريب.
إذا كانت قيادة جهاز الأمن العام تعلم أنها تدفع بالأفراد الذين هم تحت قيادتها لأداء واجب باتجاه واحد، ومن هذا النوع الذي تشي به الأحداث، فإن ذلك يعني أنهم متورطون بالانحراف عن واجبهم ومسؤوليتهم، ومسؤولون عن تعريض مرتباتهم للخطر، وشركاء أساسيون عن الأحداث الأمنية التي شهدها الأردن، بما تضمنت من ضحايا.
الشهادة، التي يقدمها الزميل البتيري، تطرح سؤالاً كبيراً حول هوية تلك القيادة الخفية لـ"البلطجية" ومحركيهم؛ علماً أن أحداً من الأجهزة الأمنية وقياداتها، وعلى رأسها مدير الأمن العام الذي يحظى بثقة الملك، لم يبادر لغاية الآن إلى مجرد الاشتباه بهذه الحركة المريبة والدخيلة على المجتمع الأردني تحت عنوان "البلطجية" ولم يحقق فيها. مع أنه لو تجمع مواطنان بريئان في طرف شارع لرأينا منسوب "الاشتباه" الأمني يرتفع إلى أقصى مداه..!
نفهم أن شبكات الفساد في الأردن تتبوأ مواقع وتسيطر على مؤسسات بأكملها، وبحكم المؤكد أنها تلجأ إلى توظيف كل سلطتها لمقاومة الإصلاح، الذي من شأنه أن يقود إلى محاسبتها، بالمسؤولية العامة والشخصية، عن سنوات فسادها، كما رأينا في تونس ومصر؛ ولكن من غير المفهوم أن يلجأ جهاز مثل الأمن العام ومديره، الذي يحظى بثقة الملك، إلى الانجرار لأداء دور لا ينسجم مع مهنيته، فيصمت على مهرجان البلطجة، ويتعامل مع هذه الظاهرة الجرمية بـ"حيادية".
هذا أمر يدعونا إلى التأكيد على ضرورة التحقيق بهذه الظاهرة الإجرامية المستحدثة، وكشف قيادتها الخفية ذات السطوة المريبة التي تعبث بأمن الوطن والمواطن..!
وهذه، تالياً، شهادة الزميل الصحفي وائل البتيري حول أحداث الزرقاء:
((بحكم عملي في الصحافة، حضرت معظم الاعتصامات التي قام بها السلفيون الجهاديون، فلم أرَ في أيّها تواجداً أمنياً كالذي رأيته في اعتصام مدينة الزرقاء، وكان واضحاً أن أمراً ما سيحدث، ولعلّ صورة ما حدث في دوار الداخلية هي الحاضرة الأقوى في المخيلة.
انتهت صلاة الجمعة على خير، وبدأ الاعتصام والأمور مستقرة، وكان الحشد.. الأكبر في جميع اعتصامات السلفية الجهادية.
لست أخفي أن كلمة الشيخ جواد الفقيه كانت هي الأقوى، لا بكلماتها، وإنما بالسيف الذي كان يتأرجح في يده وهو يردد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الجنة تحت ظلال السيوف"، وفي نظري كان ما قام به تصرفاً غير مسؤول، ولقد شعرت بامتعاض بعض أعضاء التيار من هذه اللقطة المغامرية، ومع ذلك، فحينما وقعت الاشتباكات لم يكن الفقيه في المكان كله، فقد كان غادر الزرقاء متوجها إلى ياجوز حيث وليمة الغداء التي أعدها أحد المواطنين.
وأثناء ذلك كان من يسمّون بـ"البلطجية" يزحفون إلى مكان الاعتصام شيئاً فشيئاً، يردّدون "هتافات الولاء والانتماء" ويلقون بعض الحجارة، ونابني والصحافة معي لعنة أحدهم أمام رجال الأمن، حين قال لي: "لعنة الله عليك وعلى الصحافة".
حال رجال الأمن ورموز من التيار السلفي الجهادي بين وقوع اشتباكات مع "البلطجية"، ومن الطرائف أن الشيخ عامر الضمور كان يراجع العميد عبد الرؤوف الذي ينتمي إلى نفس العائلة (الضمور)، وسمعته هذا الأخير مراراً وهو يتعهد بحماية الاعتصام الذي انتهى بسلام.
المعتصمون كانوا في غاية الانضباط.. حدثت بعض الفوضى ولكنها ضبطت من خلال بعض رموز هذا التيار، رغم أنهم تعرضوا للسب والشتم والاعتداء عليهم أثناء اعتصامهم السلمي..
وبعد انتهاء الاعتصام خرج المعتصمون في 3 أفواج، وبقيت في آخر الفوج الثالث.. غادر الفوجان الأوليان تحت شتائم القوم، وانضباط المعتصمين.
الفوج الثالث كان يحوي 50 إلى 70 شخصاً.. عبارة عن باصين كوستر.. وأشخاص راجلين متوجهين إلى سياراتهم.. وحين وصلوا إلى الشارع الرئيسي بدأ اعتداء البلطجية عليهم ورجال الأمن كانوا يقفون على الميمنة لا يحركون ساكناً، والاعتداء جاء من أمام المعتصمي..
سأذكر بعض اللقطات السريعة التي وقفت عليها بنفسي:
أولاً: حينما اعتدى البلطجية على الاعتصام حصل حوار بين مدير شرطة الزرقاء العميد عبد المهدي الضمور وبين الدكتور سعد الحنيطي، وقال له الأخير: نحن نحافظ على أمن الناس في الوطن مجاناً ولا نقبض على ذلك الرواتب.. وهذا موثق في موقع السبيل.
ثانياً: بعض فض الاعتصام سألت العميد الضمور عن تقييمه للوضع، فأشاد بالمعتصمين -رغم أنه أشاد بالبلطجية أيضاً- وقال إنهم كانوا منضبطين وعلى قدر المسؤولية.
ثالثاً: أثناء تصويري بالكاميرا التي معي، قال لي أحد البلطجية على مسامع رجال الأمن: لا تصوّر. فقلت له: صحافة صحافة.. فقال: لعنة الله عليك وعلى الصحافة التي أنت منها. فاستمريت بالتصوير بحكم عملي، فطلب مني أحد المعتصمين من السلفية الجهادية أن أتوقف عن التصوير.
رابعاً: ذكرت بعض الصحف أن أفراد السلفية الجهادية لم يصلّوا في المسجد لأنهم يكفرون الإمام ولا يصلون في المساجد.. والذي حصل أن بعض الإخوة المسافرين قاموا بأداء صلاة العصر جمعا وقصرا خارج المسجد، والحق أنهم صلوا الظهر مع الإمام جماعة.
خامساً: سمعت بعض أعضاء التيار السلفي الجهادي يتحدثون عن وجود مدسوسين في صفوفهم يحاولون تهييجهم للدخول في مواجهة، حتى إنهم نسبوا لأحدهم قوله للدكتور سعد الحنيطي: يا دكتور يسبّون الله ونسكت؟ فقال الدكتور: لا تدعوهم يستفزونكم. وهذا موثق في موقع "السبيل".
سادساً: فيما يتعلق بمظاهر العصي والحديد... إلى غير ذلك من الأسلحة البدائية إن صح التعبير، لم تُشاهد إلا بعد اعتداء البلطجية الأول.. أي أثناء الاعتصام، وهم يبررون ذلك بأنه نوع من الدفاع عن النفس.
سابعاً: كنت أراقب الحدث بدقة، ولم أرَ أياً من أنصار السلفية الجهادية يعتدي على أحد من المواطنين المتسوقين، كما نقلت بعض وسائل الإعلام.
ثامناً: قالت بعض وسائل الإعلام إن العميد عبد المهدي الضمور أصيب بجروح جراء اعتداء السلفية الجهادية، والذي أشهد عليه أن العميد الضمور كان لبقاً في تعامله مع جميع الأطراف، وكنت أشعر بتقدير واحترام السلفيين الجهاديين له، والذي رأيته بأم عيني هو حينما بدأ هجوم البلطجية على المعتصمين؛ كان العميد الضمور في طريقه إلى مكان الصدام، وترجل من سيارته متجهاً إلى ساحة الحدث من الجهة التي يتواجد فيها المعتصمون، ومعه بعض رجال الأمن، وكان يسير على قدميه بكل ثقة وأمان رغم تواجد المعتصمين بقربه، ولكن حين انحاز بعض أفراد الأمن إلى البلطجية واشتد تراشق الحجارة باتجاه المعتصمين؛ انسحب العميد الضمور راكضاً إلى سيارته التي تراجعت إلى الخلف، ولم أعلم بعد ذلك ما الذي حصل له.
تاسعاً: بعد انسحاب أنصار التيار السلفي الجهادي من المكان؛ رأيت "البلطجية" يحتفلون بالنصر "الموهوم"، في الوقت الذي يشكل فيه أفراد الأمن سياجاً لحمايتهم.
عاشراً: حول ردة فعل التيار تجاه ما جرى من اعتداء عليهم، طالب القيادي جراح الرحاحلة أنصار السلفية الجهادية إلى أن يلجأوا إلى سلاح واحد؛ هو سلاح الدعاء والقنوت على "المعتدين".
إن ما جرى في الزرقاء من اعتداء على السلفية الجهادية، هو نفس المشهد الذي حصل على دوار الداخلية.. لقد كان الاعتداء عليهم مدبّراً ومخططا له، تماماً كما كان عند ميدان جمال عبد الناصر.
أود الإشارة ختاماً إلى أنني لا أنتمي إلى أي من التيارات أو الجماعات الإسلامية، مع تقديري الشديد لكل من يعمل لرفعة الإسلام، والذي يهمّني هو أن أنقل الحقيقة كما رأيتها قياماً بواجبي المهني. والحمد لله رب العالمين)).

ليست هناك تعليقات: