السبت، 26 مارس 2011

استقل قبل أن تجد نفسك زعيماً لعصابة!

رجل الأمن الذي يفهم الحيدة المهنية على نحو ما شهدناه في جمعة ميدان جمال عبد الناصر لا يستطيع أن يدعي أهليته لمهمة الحفاظ على أمن الوطن والمواطن والمقيم والممتلكات العامة والخاصة؛ فهذه لا تقتضي إرجاء التدخل إلى حين أن ينتهي "المتشاجرون" من تحطيم بعضهم البعض وتدمير ما حولهم. وهذا ليس أمناً، بل توظيف سيء للأمن في سياسة سيئة لا تقيم وزناً للدولة، مؤسساتاً وشعباً.
 
هذا أسلوب يذكر، عموماً، بالسلوك النمطي لأجهزة الشرطة في البلدان التي نخرها الفساد واشتهرت بفترات ازدهار للمافيا وحروبها..

ووزير الإعلام، الذي كان واضحاً خلال المؤتمر الصحفي أنه يتمنى لو يبتلع لسانه، وتورط بالتبرير وبالتحذير من عواقب التغيير (الإصلاح) ووزع الإشارات حول "الكارثة" الديمقراطية، التي وقعت في تونس ومصر. كان متوقعاً أن يقدم استقالته في نفس المؤتمر الصحفي، لأنه مضطر لقول أشياء ليس مقتنعاً بها، ولا تتناسب مع "أرشيف مقالات الكاتب"، الذي يقدمه لنا موقع "العرب اليوم" الاليكتروني.

وأسوأ ما في الأمر، أنه ما يزال مطالباً بذلك.. الاستقالة!

أما وزير الداخلية نائب رئيس الوزراء، فطلاقة لسانه تذكرنا أنه ليس جديداً على هكذا "حفلات"؛ وإن كان المرء لا بد أن يلاحظ أنه بالرغم من طلاقة لسانه وخبرته الطويلة وحملته الانتخابية الجرارة إلا أنه لم ينجح حتى في أن يكون عضواً من مجلس "111". وقد يكون محظوظاً في قلة حظه هذه؛ ولكننا أقل حظاً منه ومن سواه حينما نكتشف أن حقوقنا المدنية بيد رجل يمتلك طلاقة لسان لا يقلقها أبداً أن ثمة كاميرات سجلت الأحداث، فيسمي الكارثة "مشاجرة".

ما هذا. ذكاء أم ماذا..؟

عموماً، هذه هي الانطباعات التي تتبادر إلى الذهن حينما يشاهد المرء تسجيلات الفيديو الثلاث، التي وضعها موقع عمون الاليكتروني برسم المواطنين للحكم على أحداث جمعة ميدان جمال عبد الناصر. أما تسجيلات التلفزيون الأردني وإطلالة الرئيس معروف البخيت في المساء نفسه، فأثبتت أن الطبقة السياسية في البلد ما تزال تعيش بإيقاع "تسع درجات على مقياس مبارك للملل.

لم يجد في جعبته لتبرير الأمر إلا الاسطوانة القديمة المشروخة، التي حسبنا أنها انتهت بنهاية سيء الذكر والصيت جورج بوش: الإسلاميون هم السبب. والإسلاميون هم الخطر.

وكأن أهل "الميدان" زحفوا كل تلك الكيلو مترات نحو "الحدائق"، وليس العكس!

ومشكلة الرئيس البخيت، الذي يفترض به أن يظهر أداء مختلفاً يبدد رئاسته الأولى المهدورة، أنه استمرأ الفشل، ولم يعد يلحظ تفاقمه فيما هو يتعلق بمحاولات اللحظة الأخيرة؛ كما لم يلحظ في هذا السياق أن حكومته هذه، دوناً عن كل الحكومات الأردنية، لن تحمل اسمه، بل سيكون اسمها.. "حكومة البلطجية"؛ طبيعي، فهم أهم انجازات حكومته لغاية الآن..

والنصيحة المخلصة الصادقة، التي يمكن أن يتلقاها الرئيس البخيت اليوم، هي ببساطة: ليست هذه فرصتك لاثبات رئاستك المهدورة؛ فاستقل رئيساً اليوم، لئلا تستيقظ على نفسك في الغد زعيما لعصابة "البلطجية"!

إن بدا هذا الحديث للوهلة الأولى قاسياً، فإنه لن يكون كذلك، حينما نتذكر أن رجلاً قتل، وعائلة فقدت عزيزاً دون مبرر، ولا لشيء إلا لأن البعض يصر على استخدام تلك التكتيكات الجهنمية، المستوردة بحالة "الخردة" من مصر، ولا لشيء إلا لأن البعض اتخذ من العقيدين (القذافي وصالح) معلماً ملهماً.

والمأساة، أن التجرؤ على الدولة، وعلى الشرف العسكري للجندي والشرطي الأردني، هو ما يفعله محركو البلطجية، الذين جعلوا منهم بقدرة قادر الطليعة المتقدمة لقوات الدرك، بينما أركان الحكومة ليس لديهم ما يقدمونه سوى المزيد من المؤتمرات الصحفية للتأكيد على عدم تبنيهم لـ"البلطجية" وأن لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بما حدث.

من ليس له يد بـ"البلطجة" ولا يوافق عليها فليستقل من الحكومة ولجنة الحوار ومجلس النواب. على الأقل ليفهم القائمون على إدارة الأزمة السياسية في البلاد بعقلية بلطجية الحواري والشوارع، أن الأردن لا يدار بهكذا أساليب، وأن الأردنيين بمختلف توجهاتهم السياسية وأطيافهم لا يقبلون أن يدار بلدهم بهذه الطريقة.

استقيلوا لتقولوا بأنكم ترفضون أن تحكم البلاد باسمكم وتدار من وراء ظهركم.. بالبلطجية والبلطجة!

وبغض النظر عن هوية الشهيد خيري سعد، الذي ادعى المؤتمر الصحفي مهوناً أنه على أية حال من "نداء الواجب" في اعتراف ضمني أن هؤلاء جماعة الحكومة وزعم أن وفاته كانت طبيعية في حين أكد ابنه غير ذلك تماماً، فإن هذه المأساة تعيد التذكير بالحقائق المستجدة، التي قد تكون فاتت بعض من اعتادوا الخروج من كل موقف "مثل الإبرة من العجين".

لم يعد "الخروج الآمن" ممكناً، وسقط من الامتيازات الوظيفية مهما على المنصب؛ فحركة الشعوب العربية ليست مرشحة للتوقف، ولا النكوص، ولا التراجع. هناك فقط سقف مطالب يرتفع ويرتفع ويرتفع!

واليوم، كل منصب هو مسؤولية يشهد عليها التاريخ؛ وكل مسؤولية مستوجبة الحساب، ومن يبقى في ظل هكذا انتهاكات لن يدخل التاريخ من الباب السياسي، بل من بابه الجنائي الذي دخله ساسة ومسؤولون في تونس ومصر وغيرهما. فإن كنتم غير مسؤولين عن حكم البلطجية للشارع وترفضون هذا النهج في التعامل مع الأزمة السياسية الذي يأخذنا إلى طريق القذافي..

استقيلوا: سواء كنتم أعضاء في لجنة الحوار، أم وزراء في الحكومة، أم نواب وأعيان في مجلس الأمة.. كلكم في المسؤولية سواء..

استقيلوا لكي لا تكونوا شركاء بالجريمة!

ليست هناك تعليقات: