الجمعة، 26 أغسطس 2011

جذور الراديكالية الاجتماعية في الأردن


بقلـم: نـاهــض حـتر
ynoon1@yahoo.com
تركزت ثورات وتحركات الربيع العربي -جميعا- على محور واحد هو المحور السياسي المباشر تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام". الحراك الأردني شقّ، وحده، طريقا آخر، فركّز على البعدين الاجتماعي والوطني، متجها صوب راديكالية معادية للرأسمالية والإمبريالية والصهيونية.
الوطنية الأردنية الصاعدة المتوافقة مع لحظة حراك التغيير، تتحسس من التدخل الأجنبي. ومن بين كل عواصم الربيع العربي، لم تحرق عاصمة العلم الأمريكي سوى عمان. كذلك، فإن تهديد الدولة الأردنية بالمشروع الصهيوني الماثل لإلغائها، طرح على أجندة الحراك الأردني ما غاب عن نظيره المصري: مطلب إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل.
الشعب الأردني، بالأساس -لم يقبل- وكأنها شأن "طبيعي" الامتيازات الطبقية. وهذا الالحاح على المساواة الاجتماعية -المستمدة من تقليد وطني راسخ- هو الدينامو الذي سيقود، في النهاية، إلى حركة لها مضمون إشتراكي يتطابق مع الشروط المحلية.
إن التاريخ ليقهقه سخريةً من الوصفات الاستشراقية، فيستولد تجديد حركة التحرر العربية من جماعة وطنية عشائرية على حافة الصحراء، وليس في المراكز. وهذا هو ما يسمى بمكر التاريخ.
باستثناء ظواهر محدودة، لم تعرف العشائر الأردنية، تقليديا، الملكية الخاصة للأرض التي ظلت واجهات عشائرية، أي ملكية اجتماعية في الحقيقة، أو أراض أميرية أي مملوكة للدولة، كما أن اقتسام الأرض، سواء في فترة التنظيمات العثمانية الحديثة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أو في عهد الإمارة، بين العشائر وداخلها اشتمل على معايير مساواتية.
الأردني التقليدي هو مالك أرض وقطيع بالقدر الكافي لاحتياجاته الحياتية. وحين انهار النظام الزراعي في البلاد، اعتبارا من الخمسينيات، تحوّل نصف البدوي نصف الفلاح هذا، إلى عسكري أو موظف عمومي، واجدا في القطاع العام، نوعا من عشيرة حديثة على المستوى الوطني، وإليها نقل امتثاليته السياسية من التبعية لشيخ العشيرة إلى التبعية للدولة، لكن من دون الخضوع، أبدا، للامتثالية الاجتماعية بقبول الطبقية كمعطى محوري في الحياة.
إن وجود بضع عائلات ثرية وقطاع خاص ضعيف على هامش القطاع العام، كان، بالنسبة للأردني التقليدي، مظهرا هامشيا لا يحدد مواقع الأفراد أو قيمتهم الاجتماعية المصانة بدخل مضمون اكتفائي وبالمعايير العشائرية التي تمنح الفرد قيمته بغض النظر عن ممتلكاته. وإلى وقت قريب، لم يكن الأثرياء الأردنيون، يفاخرون بثرواتهم، بل يسعون إلى إخفاء مظاهرها في مجتمع ينظر بعين الريبة والعداء نحو الثراء.
لا تنبع الثورية من الفقر، بل من رفض الإذعان الثقافي والوجداني للهيراركية الاجتماعية، ولا تنبع الاشتراكية من النزعة الفردية لتجاوز الفقر -فكل عصامية هي نزعة برجوازية- وإنما تنبع من وجدان اجتماعي لا يقر بشرعية الثراء والملكية الخاصة. 

من هنا، جاء الصدام غير القابل للحل بين الجماهير الشعبية الأردنية وبين نخب البزنس الليبرالية الجديدة التي يراها الوعي الشعبي بغض النظر عن التوصيفات القانونية بوصفها فاسدة وغريبة وسارقة للدولة وإمكاناتها. 

وفي الحقيقة أن الوعي الشعبي يصيب الهدف هنا، فالخصخصة واللبرلة لم تخفّضا حجم الحكومة من إجمالي الاقتصاد الوطني، بل زادتاه على عكس الأهداف المدعاة من قبل الليبراليين وكل ما حدث أن موارد الدولة تحوّلت من تمويل الأغلبية الشعبية إلى تمويل الثراء الفاحش للأقلية.
رفض الامتثالية الاجتماعية قاد ويقود إلى تفكك الإمتثالية السياسية. وبذلك تتعمّق الراديكالية الأردنية يوما بعد يوم، وتأخذ، كما نرى، عدّة اتجاهات أبرزها معارضة السياسات الاقتصادية والاجتماعية لليبرالية، وظهور الحركات المطلبية الجماعية والتعبيرات النضالية من اللجان المحلية والمطلبية والاعتصامات المتعددة الأهداف الخ. لكن أهمها يكمن في النزعة الديمقراطية الاجتماعية التي تحفّزها القيم المساواتية العميقة الجذور، ويحرّضها حجم الفساد الماثل، ويشرعنها الفشل الذريع للمشروع النيو ليبرالي. 

وبالنظر إلى ظروف الأردن الخاصة، فإن تحديد الذات اجتماعيا، يتساوق، عضويا، مع إعادة اكتشاف الذات والتجربة التاريخية الوطنية. وهو سياق سيقود إلى نهضة الكيان والدولة والمجتمع، وإعادة التموضع الاستراتيجي الأردني على خارطة الإقليم.
(العرب اليوم. 26. 08. 2011)

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

ماهذا التخبيص. وكأن الأردن لم تكن جزأ من الإمبراطورية العثمانية يقرر مصيرها رجل تركي في إسطنبول, كفى إختلاقا لتاريخ غير موجود فقط لإثبات خصوصية غير موجودة. الأردن شأنها شأن معظم المناطق العربية منذ الف وأربعمئة عام تقريباعندما حظيت بالعروبة والإسلام معا والباقط اساطير الحاضرين