السبت، 2 يوليو 2011

المعشر يقترن بالشمطاء


يفترض أن المرء لا يفاجأ بأي شيء يمكن أن يصدر عن مروان المعشر، المتحدث الرسمي باسم الوفد الأردني لمفاوضات السلام، والسفير السابق في إسرائيل، ثم في واشنطن، ثم وزير الإعلام، فالخارجية ونائب رئيس وزرائنا، الذي استقر أخيراً في المكان اللائق به تماما: معهد كارنيجي.
إنه بكل بساطة، مروان المعشر بكل سيرته الدبلوماسية والسياسية، التي نعرفها!
وبطبيعة الحال، فإن المرء يتوقع أي شيء من سياسي ولد من رحم "وادي عربة"، ويدين لها بصعوده الصاروخي في فضاء الدبلوماسية والسياسة الأردنية، ويصعب أن يفاجأ بشيء يصدر عنه؛ إلا أن المرء برغم ذلك لا يملك إلا أن يفاجأ بالذاكرة القصيرة، التي تتيح للمرء أن يضع نفسه في مواقع ليست جائزة له، كأن يتغنى أسوأ وزراء الإعلام بانحيازه "المبدئي" لحرية الصحافة والرأي، أو أن يسهب نائب رئيس وزراء في استذكار جهوده وبرامجه الإصلاحية، التي تحطمت على صخرة النخب البيروقراطية التقليدية، في حين أن لم يكن في الأمر في حقيقته أكثر من "زعرنة" ليبرالية حاولت أن تسطو على ما بقي للفقراء من دولتهم.
المدهش أننا، بينما نشهد اليوم نزوح أعضاء العصابة الليبرالية عن الأردن باتجاه المؤسسات الدولية، نكتشف أنه يجري إعادة تسويقهم كخبراء دوليين في السياسة والاقتصاد، ربما تمهيداً لإعادة إحياء عظامهم؛ بل وينخرطون هم أنفسهم في جهود تسعى لإحياء العظام وهي رميم!
هذا يفعله مروان المعشر حينما يقرن نفسه بشمطاء الخارجية الأمريكية المتصابية مادلين أولبرايت، ويوقع معها مقالاً نجهل حقيقة هوية كاتبه الأصلي، بعنوان "الأسد يستحق رحلة إلى لاهاي"، وينطبق عليه وضع المرء نفسه في مكان وموقع ليس له، ويجترئان فيه على "رمي بيوت الآخرين بالحجارة، دون أن يتذكرا أن بيتهما من زجاج"!
بطبيعة الحال، لا اعتراض على هذا الاقتران، فهو طبيعي ولائق لكليهما؛ ولكن ما لا نستطيع قبوله هو أن المقال يحاول أن يتقمص الموقع الأخلاقي لدعاة حقوق الإنسان، حتى لينسى القارئ أنه يصدر عن سياسيين من ذوي "السيرة الحسنة جداً"، وأطروحته التي تنبعث منها رائحة التحشيد الإعلامي المباشر لغايات سياسية، تثير الرثاء فعلاً. بل والغثيان..!   
تقول الشمطاء أولبرايت ومحيي عظامها المعشر في مقالهما المشترك:
"حان الوقت لكي يتخذ المجتمع الدولي موقفاً ضد استخدام النظام في سوريا العنف بحق مواطنيه، كما يتعين على الجامعة العربية اتخاذ الموقف المبدئي نفسه الذي اتخذته حيال ليبيا".
"نشعر بالقلق من مستوى تكثيف العنف في سوريا واحتمالات التصعيد ومن حقيقة أن تدفق اللاجئين إلى تركيا حوّل أزمة سياسية وطنية إلى أزمة إنسانية دولية، ونرى أن العقوبات والإدانات اللفظية فشلت في وقف آلة القمع وجعلت الرئيس الأسد، مثل والده، يعتقد أن بإمكانه الإفلات من العقاب من خلال إنكار حق شعبه في تنظيم احتجاجات سياسية سلمية من أجل التغيير".
"أن المجتمع الدولي ولأسباب عديدة الكثير منها مفهومة، لا يتخذ الموقف نفسه تجاه سوريا كما فعل حيال ليبيا، ويتعين عليه أن يوضح لدمشق الآن أن القمع الوحشي له عواقب وخيمة، ونظام العدالة الجنائية في الوقت الحاضر هو أفضل وسيلة متاحة للمواجهة مع سوريا".
جيد جداً، بل عظيم ورائع؛ ولكن الشمطاء ومحيي عظامها يواجهان هنا معضلتان:
الأولى؛ أن العالم لم ينس بعد التصريحات البغيضة التي أطلقتها الشمطاء الأمريكية المتصابية عام 1996 في برنامج «60 دقيقة» الذي تقدّمه ليزلي ستال، وكانت حينها مندوبة أميركا في الأمم المتحدة. حيث تناولت مقدّمة البرنامج موضوع تسبب حصار العراق بموت نصف مليون طفل عراقي، فطرحت سؤالها: "إن عدد الأطفال الذين ماتوا بسبب الحصار، كما تعلمين، يفوق عدد الذين ماتوا في هيروشيما، فهل الأمر يستحق ذلك؟"، فأجابت أولبرايت يومها دون تردد: "أعتقد أنه خيار صعب، لكن الأمر يستحق ذلك"..!
قاتلة أطفال. أليست كذلك..!
المعضلة الثانية؛ هي المحكمة الجنائية الدولية، التي يلوح الأمريكيون وأزلامهم وشمطاواتهم ومحيو عظامهن، باستخدامها، ويرون في "نظامها أفضل وسيلة متاحة"، لا تقع في حقيقة الأمر في قائمة رعايتهم. ولنتذكر هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب إسرائيل تمتنعان عن التوقيع على ميثاق إنشائها. بل وزادت على ذلك بتوقيع اتفاقيات مع كثير من الدول الموقعة على هذا الميثاق تلزمها بعدم تسليم أي مواطن أمريكي للمحكمة!
يبدو لي أن حال الشمطاء الأمريكية المتصابية، يتطلب أكثر من إحياء العظام؛ وهنا، يتوجب علينا أن نلتمس العذر لمروان المعشر، فالضمائر وإحيائها ليست من اختصاصه ولا تقع في نطاق اهتماماته أبداً!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

مع إحترامي الشديد لك ولمقالاتك لايوجد ليبرالية في الأردن. يوجد ليبرالية جديدة فالرجاء الكف عن التخبيص بالمصطلحات. كما انه لا علاقة بين المحافظين والمحافظين الجدد. الليبرالية لاتتعايش مع الملكية الا على النمط الأسباني او البريطاني. اليبرالية ضحت بمئات الآلاف من شباب اوروبا لتهدم صرح الإستبداد والفساد. لو كانت الأردن ليبرالية لكنا نشبه النرويج او بلجيكا او فنلندا او كوريا الجنوبية. لكن وللمرة المليون لايوجد ليبرالية تتعايش مع ملكية. يوجد ليبرالية جديدة إنتهازية عميلة تقف في وجه الإصلاح العربي وتستمد طاقاتها من النظام العربي الفاسد العميل او امريكا و إسرائيل