الأحد، 22 مايو 2011

البحث عن كِتاب التغيير

يصر الإعلام الغربي على قراءة الأحداث العربية، بالطريقة الرغائبية ذاتها، التي تعامل بها مع العالم العربي عموماً، والفارق أن رغائبية الإعلام الغربي في التعاطي مع الثورات العربية، تجتهد في تبرير مستوى من الإعجاب غير المرغوب به، الذي لا لم تكن تتصوره لنفسها. وكانت قبل ذلك تستخدم هذه الرغائبية لتتمكن من قراءة ما يعيشه العالم العربي وفق ما يخدم انحيازاتها الأصلية.
ونشاهد، اليوم، أن جملة كتاب الرأي الغربيين، يجنحون بقوة إلى قراءة الثورات العربية باعتبارها ثورات ملونة، كتلك التي حدثت في بلدان شرق أوروبا، وبعض مناطق متفرقة من العالم. وباختصار، فإن ذلك ينطلق من رغبة جارفة في اعتبارها مؤشراً على انتصار النموذج الديمقراطي الغربي، وقد لا يمر وقت طويل حتى نشاهد جورج بوش الابن يخرج من عزلته ليدعي، أن حربه المجنونة لنشر الديمقراطية قد أتت بثمارها!
وعلى أية حال، يعكس ذلك في جزء منه درجة الإرباك الغربي في قراءة الأحداث العربية، وهو إرباك لا يقل في مستواه عن الإرباك الذي أحدثته "غزوة نيويورك وواشنطن"؛ اللهم، أن تلك "الغزوة" كانت تجسد على أرض الواقع صعوداً جامحاً للقوى الظلامية في عالم تحكمه أمريكا، بشقيه الشرقي (القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن) والغربي (المحافظون الجدد وممثلهم جورج بوش)، وكان من المحتم أن ينتهي بصدام كارثي مزلزل.
وفي المقابل، فإن ثورات العالم العربي الممنوع من الثورة، تمثل إيذاناً بنهاية تلك المرحلة السوداء، وبداية لمرحلة جديدة تنهار فيها قوة مركز القرار في السلطة، محلياً على مستوى الدول والقيادات، ودوليا على مستوى الهيمنة (الأمريكية)، حيث يعود القرار المحلي والدولي، الذي كان تحول إلى أوامر نافذة بمجرد الصدور، ليكون كما يجب له أن يكون نتاج عملية معقدة من التوافقات والتفاهمات.
وببساطة، فإننا نشاهد اليوم في غير بلد عربي، أن نموذج اجتماع مجلس الوزراء "الذي ناقش عدداً من القضايا الهامة"، قد انتهى. وبتنا نرى أن حركة الشارع والاحتجاج تضع الأجندات، وتحسم القرارات سلفاً. وذلك، من خلال المشاركة الشعبية المفروضة فرضاً بقوة الاحتجاج. وهذا يدعونا إلى القول أن الفارق بين الدعوة لتغيير النظام والدعوة لإصلاحه، لا يعكس في حقيقة الأمر الفارق التقليدي بين الثورة والإصلاح. فالدول التي تواجه هذه الدعوة الأخيرة، ومهما كانت حركة الاحتجاج فيها مضبوطة، ليست أفضل حالاً، وتواجه استحقاقات ليست أقل من تلك التي تواجه دعوة للتغيير الشامل.
وأخيراً، إن انشغال الإعلام الغربي بالتعاطي مع هذه الأحداث، بكل الإرباك الذي يعتور ذلك، لن يلبث أن ينتقل مع الفشل في التوصل لخلاصات يؤيدها الواقع إلى محاولة التعمق من خلال قراءة ثقافية. ولست متأكداً بأن نتاجنا الأدبي، على الأقل الرائج منه، يمكن أن يقدم مثل ذلك الفهم. فمنذ عقود، ركن المثقف والمبدع العربي إلى اليأس من التغيير، وأنخرط في لعبة استثمار نفسه ونتاجه في سوق استرضاء الدولة والتنصل من دوره الحقيقي.
وبالمحصلة، فإن "كتاب" أسامة بن لادن كان واضحاً، بل صادماً في وضوحه، بينما يصعب علينا اليوم، إيجاد كتِاب قوى التغيير في العالم العربي، وإن جهدنا بالبحث!

ليست هناك تعليقات: