كيل
الاتهامات لرافضي التدخل الأجنبي والمستريبين مما يحدث في سوريا لا يتوقف؛ ورغم
اتضاح الصورة وثبوت وجود عبث خارجي في هذا البلد، إلا أن أدعياء الثورة والإنسانية
يواصلون "قصفهم" مرددين نفس الترهات المبتذلة، وبذات الوتيرة المنسوخة، التي
تنبئ بأنه مرّ وقت طويل على أصحابها منذ فكروا آخر مرة!
وفي
الواقع، أنا على قناعة بأن البعض منا يظلمهم حينما يطلب منهم أمراً جسيماً
ومرهقاً، مثل معاودة التفكير، بين الشهر والآخر؛ أو حينما يتوقع منهم بعضنا أن
يلاحظوا بأن التدخل الأجنبي في سوريا، الذي يجهدون في استدعائه وتمنيه، هو حقيقة
واقعة، ولا حاجة لاستدعائه!
وهم
بطبيعة الحال، بحكم غرقهم واستغراقهم في لغوهم، لا يقرأون حتى ما يكتبون؛ فهم لا
يتورعون عن استخدام أدنى المفردات لياقة، وأكثرها سوقية، وأشد المقاربات ابتذالاً.
ومع ذلك فهم إذا ما سمعوا أحداً ما يشتكي من تدني مستوى الحوار، لا يترددون في
مشاركته شكواه بحميّة، ويرددونها باندفاع، ويكررونها بحماسة، رغم أن صاحب الشكوى
يشتكي منهم، ويتظلم من مفرداتهم، ويستنكر ضيقهم بالحوار.
بلى، يفوتهم
حتى إدراك أنهم، هم، بالذات المقصودين؛ وذلك ببساطة لأنهم لا يعرفون لغة أخرى، ولا
منطقاً آخر، وفي حدود علمهم ومعرفتهم فإن ما يقومون به هو لائق، ومهذب، وحوار لا
غبار عليه!
وهم
يحاوروننا بما "قدّرهم" الله عليه، ولكنا نعتقد خطأ، حينما نفاجأ بمستوى
الخطاب الذي يصدر عنهم، إنهم لا يريدون الحوار؛ وبطبيعة الحال، فإن البعض منا
يغالي في توقعاته ويفترض أن الحوار يقوم على تبادل الأفكار والحجج، وينسون أن من
يريد الأفكار والحجج لا يذهب لمحاورة صغار الأتباع!
والأتباع،
كما هو معروف، لا ينتجون أفكاراً، ولا حتى ينجحون بتلقفها من الأفواه، ولا
يستطيعون مقارعتها بغير الشتيمة والاتهامات؛ بل وحتى حينما تلامس فكرة عقولهم،
يفشلون بالتعبير عنها بكلام لا يتضمن شتائم، ولا يستطيعون الدفاع عنها بدون اللجوء
إلى كيل الاتهامات جزافاً، ولا يجدون وسيلة للمنافحة عنها سوى إمطار الآخرين بلغو
عاطفي، يتباكى على الدماء والحرية والديمقراطية، ويشبه في وظيفته قيام جمهور منحاز
بالتصفيق المتواصل لـ"معلمه" للتعويض عن ضحالة خطابه.
ومع
ذلك، فيبدو أن لهذه الأيام كرامات، وهذا مفهوم باعتبارنا في العشر الأواخر، ومن
هذه الكرامات أن أصحابنا بعد نوبة تفكير طارئة توصلوا بجهد خلاق إلى صهر
المتناقضات في فكرة واحدة، مفادها أن النظام السوري هو حليف استراتيجي لإسرائيل، وبالتالي،
لا بد من مناشدة أوباما و"الناتو" للإطاحة به!
إنها
فكرة جهنمية لا تصدر إلا عن عقل إبداعي خارق!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق