السبت، 29 أكتوبر 2011

نأسف.. لغياب التمويل!


السقوط الأخلاقي لأي ثورة هو نهايتها عملياً، وإيذان بفشلها وتحولها إلى منظومة مستبدة، تستدعي بدورها الثورة عليها، لا معها.
ويبدو مصير القذافي، هنا، ماثلاً؛ ليس درساً للطغاة كما تروج الفضائيات وبعض العملاء الصغار الذين يتجولون بهويات إسلامية وليبرالية مزورة، بل هو درس للمخدوعين الذين أعمتهم حماستهم للتغيير عن الجوهر الظلامي والاستعماري، الذي بدأ يتحرك بوضوح في فضاء الأحداث العربية علناً.
ينسى هؤلاء المتحمسون، الذين أعمتهم حماستهم للتغيير أن الثورة ليست "ساعة شر"، بل هي لحظة وعي باهرة، تضيء النفس بقيم العدالة والإنسانية؛ وإنها قبل ذلك مسؤولية تاريخية، لا تبيح التفريط بالأوطان لمجرد الخلاص من طاغية، ولا ترفع اللوم والذنب عن من يجتلب القوى الأجنبية إلى الديار العربية، ولا تجيز تحويل غضبة الشعب إلى قوة تدميرية همجية تهدم دولته، وتطيح بأركان وطنه.
لقد مثلت التجاوزات الخطيرة في التعامل مع القذافي، من وجهة نظر قانونية متساهلة جريمة حرب، يشترك فيها الفاعلون الميدانيون وغطائهم السياسي، وحلفائهم الذين مكنوهم من الرجل، دون أن يضمنوا سلامته، ومعاملته وفق القانون، وضمان عدم الحط من كرامته الإنسانية؛ لا سيما وأن الواجب الدولي اقتضى من الفرنسيين، الذين أعلنوا أنهم هم من اصطاد القذافي ومكن خصومه الليبيين منه، اعتقاله وتسليمه للمحكمة الدولية التي أصدرت مذكرة لاعتقاله.
إن عدم التغاضي عن هذه الواقعة المشينة والإصرار على التذكير بها لا يمثل دفاعاً عن القذافي، ولكنها دفاع عن ليبيا وشعبها ومستقبلهما، الذي تم الانحراف به بشدة عن ناصية قيم العدالة والتسامح الإنساني، التي يفترض أنها نبراس كل ثورة، ودفعه باتجاه ظلامية القرون الوسطى التي تناسب شروط الاستغلال الاستعماري.
ودفاع عن عالمنا العربي الذي يراد له أن يكون لقمة سائغة للناتو!
يجب عدم التغاضي عن "ساعة الشر" هذه، لا سيما أنها لا تتوقف على ستين دقيقة، ولم تقتصر على القذافي نفسه، بل امتدت شهوراً تحدثت خلالها منظمات حقوقية عن مجازر وإعدامات بالجملة يرتكبها "الثوار" وتمييز عرقي يمارس على قبائل لم يعترف الليبيون الجدد بمواطنتها، إلى جانب مجموعات من الأفراد الذين قتلوا لمجرد  الاشتباه بهم كمرتزقة بحكم لونهم بشرتهم الأفريقي، وهو اللون الذي كان سبباً، كذلك، للتمييز العنصري ضد قبائل ليبية عريقة.
ولن نسأل عن القذافي.. ولكن أين هؤلاء المتباكين على "حرية" الشعب الليبي، في حياة القذافي، من الجرائم التي يقترفها عملاء الناتو الهمجيين اليوم بحق ليبيا والليبيين..!؟
أظن أن قدرتهم على التباكي تعطلت لغياب التمويل!

ليست هناك تعليقات: