الخميس، 7 يوليو 2011

جمعة رابطة الكتاب الأردنيين


تابعت باهتمام، خلال الأسبوع المنصرم، جملة مقالات كتبها الزميل اللامع محمود منير، حول انتخابات رابطة الكتاب الأردنيين؛ وأثارت اهتمامي بلمحاتها الذكية، والتقاطاتها الملفتة، التي أحسب أنها لا تصدر إلا عن ضمير محايد، وانحيازات موضوعية للحقائق والوقائع.
وشأن أي كتابة مخلصة لنفسها، أغنتني هذه الكتابات، ليس فقط بما التقطته وخلصت إليه، بل وقادتني إلى التفكير من زاويتي واختبار قناعاتي، وتسجيل انطباعاتي الخاصة:
إن الرابطة محكومة بحراكها الداخلي وتغتني به؛ وهي، عملياً، حاصل مجموع يضيف "كتلة التجمع" إلى "تيار القدس". وأن قدر أحدهما أن يمثل الجزء الفارغ من الكأس، والآخر جزأه المملوء.
وقادتني هذه الكتابات إلى تذكر أن سنوات هيمنة "التجمع"، بداية العقد المنصرم، كانت أسوأ سنوات "الرابطة"؛ إذ حكمها نزوع "التجمع" إلى أن يكون كل الكأس بجزئيها المملوء والفارغ، على حدٍ سواء. ومثل هذا السلوك ينتهي، منطقياً، إلى إفراغ الكأس من نصفة المملوء.
وكان من الطبيعي، والحال هذه، أن تشهد "الرابطة" نزعة إقصائية وميلاً لإلغاء الآخر وتشويهه، وتحويل مقر الرابطة إلى منبر لتصفية حسابات فردية. وهذا بطبيعة الحال، لأن "التجمع" كان وقتها يعيش حالة من "الطرب العربي الأصيل" والانتشاء لنجاحاته الانتخابية المتكررة، التي لم يستطع أبداً أن يقرنها بنجاحات غير انتخابية.
وهذه واجدة من سمات "التجمع"، الذي لا يركن إلى أغلبية يحققها في الانتخابات، بل يعاجل بتحويلها إلى نوع من الهيمنة، غير الثقافية، وغير الديمقراطية!
وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الحديث حول تورط بعض أعضاء "التجمع" بتأييد اتفاقيتي "أوسلو" و"وادي عربة"، قد لا يكون المدخل الدقيق تماماً لتفسير نجاحاته في الهيمنة على "الرابطة"؛ ولكن الصحيح هو أنه أفاد من جملة الإنهيارات التي حدثت على صعيد شامل منذ بداية التسعينات وصعود تيار "التسوية" في العالم العربي، وأفاد منها بشكل مزدوج، أو على وجهين:
الوجه الأول: أدت هذه الانهيارات إلى ارتباك في صفوف "كتلة القدس"، ونالت من تماسكها، وأضعفت قدرتها على تبني رؤية متماسكة، وعطلت قدراتها على المبادرة.
الوجه الثاني: أن "التجمع" لم يجد غضاضة من اعتبار هذه الانهيارات تحولاً نهائياً، يشكل قطيعة مع منظومة القيم في التحرر والعدالة الإجتماعية، ومضى للتساوق معها، والسير في ركابها. وبمعنى آخر، فأن "التجمع" منذ بدايات العقد المنصرم، وبشكل موارب معتاد، اعتقد أنه أحد المنتصرين في "الحرب الباردة". وتصرف على هذا الأساس وحكم ذلك سلوكه "النقابي" والانتخابي.
وقد يكون بالفعل في ذلك المعسكر، بإرادته أو بعشوائيته!
في هذا السياق يمكن فهم صعود هيمنة "التجمع"، وقراءة مقارباته التي يصعب العثور عليها في نص أو وثيقة نظرية مكتوبة، أو حتى في أثر أدبي، ولكنها كثيفة الحضور في الممارسة العملية، وفي مجمل الأداء العام.
وما ينطبق على صعود هذه "الهيمنة" ينطبق على "التراجع"؛ ففي السنوات الماضية، ولنقل منذ أربع سنوات، بدا أن الزمن السياسي يعاود استئناف حركته، حيث بات واضحاً عقم "التسوية" واعتلالات نتائج الحرب الباردة، وبدأنا نرى التاريخ يستعيد أنفاسه التحررية. ولم يكن مفاجئاً أن ينعكس ذلك على "التجمع"، الذي بدا شاحباً، ومرتبكاً، بينما كان يدفع ثمن صولاته وطربه العربي الأصيل، في الأمس القريب!
 قراءات الزميل محمود منير ذاتها، تذكرني بأن "تيار القدس" متنوع وغني ثقافياً وفكرياً، ولا تنتابه نوبات التيه السياسي الدورية، وليس معذباً بالفصل بين الثقافة والسياسة، وقد تمكن من قيادة أغلبية في الهيئة الإدارية، كما استطاع أن يتدبر أداء تشاركياً فعالاً من موقع الأقلية في إدارات سيطر عليها التجمع في فترات سابقة، واتسمت بالتعسف الشديد.
"كتلة التجمع"، عبر أدائها، بقيت أسيرة الالتباس في كل شيء، بالموقف النقابي والثقافي والسياسي، وجزء من هذا الالتباس مرده إلى المزاجية العالية، والفردية المسيطرة، والعشوائية القاتلة؛ وبطبيعة الحال، لم تسعفه إقصائيته وتعسفه في قيادة الأغلبية في الهيئات الإدارية السابقة التي سيطر عليها، كما فشل في إدارة مشاركته من موقع الأقلية.
وبطبيعة الحال، فإن ساعة الزمن التي تواصل الدوران، تفرض على "تيار القدس" و"كتلة التجمع" أن يستجيبا لضرورات الدوران؛ وإذ يبدو أن الأول أدرك ذلك مبكراً فاستجاب في حينه، بدليل أنه نفض الغبار عن نفسه قبل دورتين، وتمكن من تحقيق فوز ساحق بعد سلسلة هزائم متتالية، فإن الثاني ما يزال يعتقد أن العلة في القوائم، لذا تقتصر استجابته على تدوير الأشخاص وفي البحث عن الوصفة السحرية لقائمة انتخابية قادرة على الاكتساح.
ولأكون موضوعيا؛ علي أن أضع في علم قارئ هذه الكلمات أن مواكبتي الطويلة نسبياً لانتخابات "الرابطة" تجعلني تقليدياً أصوت مطمئناً لـ"تيار القدس"؛ بينما ينتابني القلق الشديد على كل شيء آمنت به حينما يدعوني صديق، مرشح على قائمة "التجمع"، لمنحه ولو صوتاً واحداً.
وبالتالي، يمكن اعتبار هذه الكتابة تصويت ناخب بعيد عن صناديق الاقتراع!

ليست هناك تعليقات: