الخميس، 7 يوليو 2011

لم يبق للمرء سوى عقله

يتساءل مواطن سوري مغترب: ماذا على المرء أن يفعل حينما يكون الفارق بين نشرة أخبار فضائية ومكالمة هاتفية مع العائلة، هائلاً إلى حدّ لا يصدق؟
دبابات، وقصف مدفعي، وإطلاق نار كثيف، وويلات..!؟
كانت إحدى الفضائيات المرموقة، قد بثت خبراً بأن دبابات الجيش اجتاحت مدينة حمص، وأن الحي الملاصق لحيه يتعرض لقصف مدفعي وإطلاق نار كثيف. فكان من الطبيعي أن يلجأ إلى الهاتف النقال ليجري اتصالا بالعائلة، رغم أن الفضائية ذاتها روجت أن السلطات قطعت الاتصالات والانترنت عن المدينة.
ويطمئن المواطن السوري إلى أن الاتصالات موصولة لا مشكلة فيها، وأن الأهل بخير، ومدينتهم كذلك، وأن الحي الذي قيل أنه يتعرض لقصف مدفعي وإطلاق نار كثيف، لا جيش ولا دبابات فيه، ولا قصف ولا إطلاق نار بقربه ولا قريباً منه. وإن الأمر لا يعدو عن فيديو لا يتضح فيه شيء، مركب عليه بعض المؤثرات الصوتية، تلقفته الفضائية من الانترنت، واستدعت للتعليق عليه "شاهد عيان" مجهول.
ويتساءل المواطن السوري بحرقة: كيف لا تستطيع الفضائية التحقق من صحة "الخبر" كما فعلت أنا؟ ولا يخطر بباله أن الفضائية المعنية لا تريد من الأصل أن تتأكد..!
ويتساءل مواطن آخر في الأردن المجاور لسوريا، مشيراً إلى شاشة فضائية أخرى تعرض أخباراً حول ما تصر على تسميتهم بـ"شبيحة ماهر الأسد" ينكلون بمتظاهرين في إحدى البلدات، وتقول سوريا أنهم عصابات مسلحة خارجة على القانون، دون أن تصدقها الفضائية: أوليس هذا بالضبط ما حدث بليبيا..!؟
وبرأي المواطن الأردني، فإن أحداث سوريا تثبت بوجه قاطع أن العقيد الليبي لم يكن يجافي الحقيقة، حينما زعم أن ما يحدث في الشرق الليبي هو مؤامرة يستخدم فيها مسلحون متطرفون؛ ولكن زخم الثورتين المصرية والتونسية وشخصية العقيد الليبي التي تعودنا أن لا نأخذها على محمل الجد كانت عوامل مساعدة للفضائيات لترويج ما أرادت ترويجه.
ويرى المواطن الأردني أن ما جرى في ليبيا كان مقدمة لما جرى في سوريا؛ ولو أن الأمر نجح في ليبيا لكان نجح تماماً في سوريا.
ويربط المواطن الأردني نفسه بين الدور المشبوه الذي تقوم به شخصية ثقافية فرنسية، من أصل يهودي وتتمتع بعلاقات قوية داخل الأوساط الاستخباراتية الإسرائيلية، في الشرق الليبي وفي اختراق المجلس الوطني في بني غازي وجهوده في تجميع شخصيات معارضة سورية في الخارج بمؤتمر بباريس، وتأسيسه مع يهوديين فرنسيين آخرين معروفان بارتباطهما بوكالة المخابرات المركزية مبادرة بعنوان: "لإنقاذ سوريا".
ويرى مثقف فلسطيني أنه لم يعد معنى للقول بأن ما يجري في سوريا مؤامرة. "بل هو عدوان متعدد الأوجه والأدوات. وما يزيد خطورته هو اختطاف الاحتجاجات الشعبية باختراقها بالمسلحين واستخدامها كذريعة للتدخل. عدوان تقوده الولايات المتحدة بوضوح وتتشارك فيه أوروبا بقضها وقضيضها، وكلا الطرفين يحرِّشان شهية العدو الأقدم، النظام التركي، ليكون رأس الحربة مشحوناً، وبسلفية وحداثية معاً وبحقد على القومية العربية واستنهاض للاستعمار العثماني القديم".
ولا يملك إلا أن يتساءل عن التراخي الدولي "الروتيني" بما يتعلق بوطنه المحتل، وما يرتكب الاحتلال من فظائع فيه.
بينما يتساءل طبيب كردي متابع لـ"الربيع العربي" ولفضائياته: "ماذا عن الربيع في تركيا..؟"، ويقيس من مكانه الأحداث التي تجري على الأرض في سوريا ويقارنها بحجمها السياسي، الذي يتبدى بالاهتمام الدولي المحموم وعالي المستوى، وحجم الاهتمام الإعلامي غير المسبوق، فيرتاب من وقوف العالم وإعلامه بإصرار عند الحدث وتفاصيله بغض النظر عن حجمه.
ويضيف الطبيب الكردي نفسه: السيد رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية قدم نصائح لمبارك والأسد، يحضهما فيها بالامتثال إلى إرادة شعوبهم، فهل سيدفعه ذلك يدفعه إلى الإنصات إلى إرادة الأكراد في تركيا..؟ وهل يعترف بإرادتهم بينما يخرجون محتجين في المدن الكردية والتركية الكبيرة، بعدد متظاهرين يبلغ في يوم واحد أضعاف كل المتظاهرين الذين خرجوا في كل من تونس وليبيا وسوريا مجتمعة خلال شهر كامل.
وهل سيلتفت الإعلام العربي المشغول بسوريا إليهم، لو حصل ذلك؟
المقارنات والمقاربات تنهال من هنا وهناك، بلا نهاية؛ ولا يبدو أن ذلك يؤثر على الإعلام الذي يعرف ماذا يريد أهله وأصحابه، ولا يحيد عن الأهداف الموضوعة له. وبمعنى آخر، فقد جاءت الأحداث العربية الأخيرة، لتنعى إلينا الإعلام العربي، ومعه "الإعلام الجديد" الذي اتضح أنه يستخدم على نطاق واسع للتضليل.
ولكن ماذا يبقى للمرء في هذه المساحة..؟
يبقى للمرء عقله، وقدرته على أن يحمي نفسه من التحول إلى بوق يردد ما يروجه إعلام مبرمج. آ..بلى، وضميره، فمن الواضح أن ساحة المصداقية والمهنية في الإعلام، ما تزال منطقة فارغة، تنتظر من يملأها!

ليست هناك تعليقات: