الأحد، 2 أكتوبر 2011

وطن في مسرحية


بقلم: محمـود منـير
mahmoudmunir@gmail.com
مخرج المسرحية يرتّب الأدوار: مئات يهتفون في الشوارع مطالبين بالإصلاح، وبلطجية وشتائم، وحكومة تستجيب للمطالب الشعبية وتفتح حواراً وطنياً يفضي إلى مجموعة من التعديلات الدستورية التي يعود المتظاهرون لرفضها.
المسرح الذي يتسع لآلاف المتفرجين لا يستهوي أحداً من سكان المدينة، الذين يحلمون بالسفر، بحثاً عن فرص عمل وهدوء البال.
أيقن المخرج أن عرضه الجديد "وطن ضائع" سيلاقي خسائر فادحة; لذا قرر الاستعانة بمهرّج يحاكي عددا من الشخصيات العامة سعياً لاجتذاب الجمهور وإضحاكه.
المهرّج حاول تقليد نوّاب يحصّنون مجلسهم من إمكانية حلّه، ويصادقون على مادة دستورية تقيّد الصحافة وتحمي الفساد، غير أن ابتسامة واحدة لم يطلقها أحد الحاضرين.
في تلك اللحظة اجتمعت مجموعة من النوّاب حول مائدة مسؤول أمني لمناقشة آخر المستجدات.
العرض يتواصل، والمهرج يتقمص شخصية وزير يصادق على فرار فاسد خارج البلاد، ثم يستقيل من منصبه، والأداء لا يستهوي أحداً.
الاستقالات لا تترك أثراً في ذاكرة مواطنين لا يعرفون الدوافع الحقيقية وراءها، كما أنهم ينسون بعد فترة أسماء تلك الشخصيات والمواقع التي شغلوها.
يذهب المخرج نحو إثارة أكبر فيحاكي رئيس حكومة يُقمَع في عهده المتظاهرون ويلاقون أبشع تحريض إعلامي، وينتقل المهرّج إلى إطلاق نكتة الموسم التي تتحدث عن إقالة الرئيس ذاته لمسؤول كبير بعد اتهامه بـ"الليبرالية".
النكتة "السمجة" دفعت بعض المتفرجين للانسحاب من المسرح، وعندها استعار المهرج شخصية أمنية تقوم بالتدخل في تعيينات مناصب كبرى، وتدير وسائل إعلام وهيئات شبابية وأكاديميين ورجال أعمال.
محاولات عدة باءت بالفشل، والمهرّج الذي قلّد جميع شخصيات البلد واستحضر قراراتهم ومواقفهم، قذفه الجمهور بعلب العصير وأكياس "البوشار".
خرج روّاد المسرح إلى المدينة، وهناك انطلقت الضحكات –فجأة- حينما سمعوا بتأسيس "الحملة الشعبية لاغتيال الفاسدين" على إحدى صفحات الفيسبوك.

(العرب اليوم. 2011-10-02)

ليست هناك تعليقات: