الثلاثاء، 31 مايو 2011

سوريا والقلوب المليانة


الفزعة "الوطنية" الأردنية لنصرة الشعب السوري الشقيق حققت قفزات مذهلة، يصعب تجاهلها أو التغافل عن مؤداها الضمني والمباشر، على حدٍ سواء. ولا نرمي إلى اتهام أصحاب هذه "الفزعة"، فقد جاء موقفهم على الأغلب نتيجة للاستعجال والقلوب المليانة والعاطفة المجنونة التي تقتل العقل، حينما تلغي ميله الأصيل إلى تفكر الأمور وتمحيصها.
وعليه؛ تورطت الفزعة الأردنية، بما يلي:
أولاً؛ ذهب المتباكون على حرية الشعب السوري للهجوم على كل من لم يشاركهم موقفهم بتفاصيله، أكثر من ذهابهم للتنديد بالنظام السوري نفسه. ولم يتورعوا عن استخدام التشهير الإعلامي، بحيث أن اتخاذ موقف، ناهيك عن إعلانه، لم يعد مسؤولية أخلاقية شخصية تبنى على القناعات، بل بناء على إرادتهم المفاجئة والهابطة بالبراشوت.
ثانياً؛ التورط في محاولة "تبصيم" الآخرين على موقفهم المجهز سلفاً، بطريقة ابتزازية لم يسبق أن شهدناها من قبل، إلا على زمن جورج بوش صاحب مبدأ "من ليس معنا، فهو ضدنا"؛ في محاولة لترهيب وتذنيب كل صاحب وجهة نظر لا تتفق مع موقفهم. مع أننا جميعاً، في الطرفين، نستقي معلوماتنا من ذات المصادر المتورطة والمشكوك بمصداقيتها، والتي اعترفت غير مرة بأنها اعتمدت على مصادر ومواد مفبركة. ولا فارق بيننا إلا أن البعض قلبه مليان فينساق دون أدنى رغبة في التدقيق.
ثالثاً؛ كانت المناقشات الـ"فيس بوك"ـية هي المناقشات شبه الوحيدة التي "تورط" فيها مطلقو المواقف العشوائية، وهي (إلا ما ندر) شيء يشبه مناجاة الخلان، لا تقبل رأياً آخر، ولا تحتمل اعتراضاً طارئاً، ولو من باب التساؤل البريء؛ واتسمت، كذلك، بالبكائية وعقد المقارنات الارتجالية والتأكيد على مسلمات ومواقف مسبقة من النظام السوري باعتبارها حقائق جوهرية وحاسمة للجزم بحقيقة ما تبثه الفضائيات الرسمية العربية المتورطة حول سوريا.
وليتهم كانوا يصرفون بعض قليل من وقتهم لتأمل خشية المعارضين السوريين غير المرتبطين بالخارج، وقلقهم العميق من حقيقة التدخل الخارجي، وتوجسهم وريبتهم إزاء الرفع المفاجئ لشعار إسقاط النظام، وذهولهم من أن الأحداث ابتدأت وتركزت في الأرياف والمناطق الحدودية (وهذا أمر يتعلق بالأيادي المحركة الخارجية وشبكات التهريب العائدة لريبال الأسد وجمال خدام التي تحولت إلى أداة تخريب، وهو ما تؤكده فضيحة شبكة الخلوي اللبنانية الثالثة التي يشغلها رجال الحريري، وتغطي هذه المناطق بالذات)!
رابعاً؛ استخدم هؤلاء في حملتهم العدوانية بإلحاح أسلوباً ترويجي لمقولة "مع الإصلاح في الأردن، ضده في سوريا" في التشهير بمن لم ينسق وراءهم، وبشكل خاص ضد قوى المعارضة والمثقفين الأردنيين، حتى لقد يخطر بالبال أن الموضوع لا يتعلق بسوريا، وإنما بالموقف من "الإصلاح" في الأردن. لدرجة أن المرء يحسب لوهلة أنها حملة من تصميم وزير داخليتنا العتيد، للتشكيك بمصداقية خصومه من دعاة الإصلاح. والأدهى أن كثير من أركان هذه الحملة لم يخبروا الثمن الذي تم دفعه في الأردن من العام 1989 وحتى اليوم.
خامساً؛ اتسمت الحملة، التي تصدرتها جمهرة ممن عرفوا تقليدياً بالاستهانة بالسوري إنساناً وشعباً، بنزق مفاجئ وغريب، وأصبح الدم السوري، بالنسبة لهم، هو الأغلى. وأي حديث عن الدم الفلسطيني، أو اليمني، أو البحريني الذي يراق في نفس الوقت، تسويفاً وتهرباً من القضية السورية التي أصبحت بقدرة قادر "مركزية"، وما عداها هامشي.
سادساً؛ اندفاعه مفاجئة وغريبة بشطب "الممانعة" و"المقاومة"، ليس بنفيهما عن سوريا فقط، بل واعتبارهما خرافة؛ أما الإشارة إلى الصهيونية والامبريالية فحديث تجاوزه الزمن!
وليس هذا موقف الشخصيات المعارضة غير المرتبطة خارجياً، في سوريا، التي ترى بالتدخلات الأجنبية، استهدفاً لموقع ودور سوريا في الصراع مع إسرائيل، وتتخوف أيما تخوف من ذلك، والأخوة المتباكون على الشعب السوري، خارج سوريا، يرددون من وراء عبد الحليم خدام، كما ظهر في آخر نسخة له في مقابلته مع التلفزيون الإسرائيلي، ويقولون: الممانعة كذبة والمقاومة خرافة..!
والسؤال، إذا كان هؤلاء يعتقدون حقاً أن "الممانعة كذبة والمقاومة خرافة"؛ فهل سنراهم قريباً يتنصلون من دعم القضية الفلسطينية، ليلتحقوا بركب "السلام"، ويستقلون على جناح السرعة، كما فعل خدام، أول تاكسي إلى "إسرائيل"..!؟
لا أظن ذلك، رغم أنهم يقفون الآن على بداية هذه الطريق بالذات، ورغم أنهم كانوا فاجأونا قبل ذلك مرتين: مرة حينما بادروا لاتخاذ موقف، ومرة أخرى حينما أغلقوا عيونهم وقلوبهم عن العنف الحقيقي وخصوا سوريا ببكائهم. بل ومرة ثالثة، حينما عطلوا عقولهم ولم يروا الالتباسات المريبة في المشهد، وتناسوا الوقائع "العجيبة" التي تحيط به من كل جانب!
وفي الحقيقة، هي قلوبهم المليانة على سوريا، وليس الموجوعة بشعبها!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

لقد اصبت يا اخي ان قلوبهم مليانة بالحقد على سورية الحبيبة . لكن سورية ان شاء الله ستنتصر بارادة ابنائها وبنخوة امثالك من الاشقاء العرب.
حنان شمعون