الاثنين، 30 مايو 2011

عقدة التورط والتواطؤ

هناك قواسم مشتركة بين أخبار وتطورات ملفات الفساد، التي نقرأها يومياً، منها بجاحة الفاسدين المحكومين والمدانين والمشبوهين، وثقتهم العجيبة بأن يد العدالة أقصر من أن تطالهم، وشعورهم بالأمان، الذي يتعزز كلما قادت حادثة أو أوصل تفصيل إلى مراتب عليا في النظام؛ و"الطريف" أن هؤلاء، خلافاً لعموم الشعب ومعارضته، لا يتحرجون من امتداد خيوط فسادهم حتى عتبات "الديوان" وموظفيه الكبار..
إن مثل هذا الشعور بالأمان هو، عملياً، "قرار" اتهام، لا يرد عليه بسوق الاتهامات لكل من يلاحظه، ويشير إليه؛ بل يستدعي إبداء القدر المناسب من الشفافية والصراحة، وطمأنة الأردنيين إلى أن ثقة الفاسدين لا سند لها.
من الملفت، كذلك، أن الخيوط أوصلت امتداد "ملفات" الفساد إلى "الديوان" وموظفيه الكبار، جاءت من خلال شهادات أدلى بها رؤساء وزارات سابقين (منهم: علي أبو الراغب، وسمير الرفاعي) لا مجال للطعن بولائهم للعرش، فقد حظيوا بالثقة الملكية، ونعتقد أنهم يتمتعون بها حتى هذه الساعة.
نعلم، بالمقابل، أن السياسي الأردني بطبيعته غير محصن ضد الفساد، وذلك لسبب بسيط: "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة". وأنظمة حكم مثل نظامنا هي الأقل حصانة ضد الفساد وأقل قدرة على تحصين أركانه من التورط بملفاته، وأكثر استقطاباً ورعاية للفاسدين والمفسدين.
وإذا كان هناك من يتعامل مع الفساد باعتباره "ملفات"، ويعتقد أنها ككل الملفات قابلة للطي دون محاسبة، فهو مخطئ؛ فالفساد جريمة، وليست "أزمة" سياسية تطوى بالتوافق، أو بالتجاوز من خلال تقديم تنازلات أو ترضيات سياسية. وهو، بالأساس، اعتراض عريض، يتبناه كل مواطن غير متورط، ويرى فيه عنواناً للإصلاح الحقيقي.
ليس بمقدور السياسي الأردني تجاوز "ملفات" الفساد وطيها، ومن المستبعد أن يتمكن من حل عقدة تواطؤه وتورطه، والسبيل الوحيد الممكن هو المصارحة، التي تفتح الطريق أمام محاسبة المفسدين، وتحرمهم من التنعم بالأمان، وتتيح وضع حدود آمنة بين السلطة والمال والمنافع، وتفتح المجال لتعزيز آليات المحاسبة. وهذا بطبيعة الحال، لن يكون بلا ثمن؛ ولكن الثمن الذي يكلفه ذلك سيدفع إن عاجلاً أم آجلاً، بمبادرة من السياسي الأردني أو باستجابة غير مستحبة منه.
لا أظن أن أحداً في الأردن لا يقلقه أمر تلك "الحدود الآمنة"؛ وإمكانية تقبل "ملكية دستورية" مقيدة، تضع المسؤولية حصراً بيد مسؤولين خاضعين للمساءلة والمحاسبة، يعملون تحت القانون، وتطالهم العقوبات.
ولا أظن أن أحداً في الأردن لا تقلقه خيارات السياسي الأردني المستقبلية؛ فالتردد سينقل محاربة الإصلاح من مواجهة مع أفراد ومؤسسات فرعية، إلى مواجهة مع مؤسسات الحكم الرئيسية؛ وأسوأ من ذلك، فإنه يفتح الباب أمام الخصومة الصريحة والمواجهة المباشرة، ويغلق نافذة الإصلاح، ليفتح بوابات التغيير الواسعة!
لذا، من الخطورة بمكان عدم التحلي بالشجاعة اللازمة، والجرأة الكافية، لمواجهة عقدة التورط والتواطؤ!
تطورات "ملفات" الفساد، ونظامنا الذي يمثل بيئة خصبة لـ"المفسدة المطلقة"، وصمت "الديوان" وموظفيه الكبار حول ما ينسب إليهم من دور مارسوه من مواقعهم الرسمية، يجعلنا نميل إلى الاقتناع بوجود امتدادات محرجة لكل هذه "الملفات"؛ لذا لا سبيل إلا برفع الحماية عن المتورطين فيها، من خلال مصارحة الحكم للشعب بدور موظفيه ومؤسساته العليا، وتصفية الذيول التي ترتبت هذا الدور، مع بدء عهد جديد مقيد بالدستور والقانون والمحاسبة؛ وسوى ذلك، سيظل الحكم "محرجاً" من الفاسدين، معرضاً عبر موظفيه للخضوع لإبتزازهم.
ولنتذكر دائماً؛ الفساد "ملفات" متفجرة، وقنبلة موقوتة!

ليست هناك تعليقات: