يبدو أن الكثيرين في الأردن يعولون اليوم على أحمد
عبيدات، بينما أعداءه يترقبون بصمت مخاتل فرصة تتيح لهم أن "يقدموا له عرضاً
لا يستطيع رفضه"، على رأي المرحوم دون كارليوني، وهؤلاء وأولئك لن يريحهم
الحديث الذي يمكن ينغص على الباشا، أو يستذكر تاريخه، فيقرأ حاضره باستحضار ذلك
التاريخ.
وعملياً،
ليس هنالك من يعاتب الجنرال، الذي اكتشف أنه من دون أقرانه العرب، الذين أسعفهم
الحظ فتجاوزوا التقاعد العسكري بتدشين سنوات خدمة إضافية في حقل العمل السياسي،
رضي طويلاً بالتقاعد نهاية لحياته السياسية، مفترضاً أن حياته كسياسي تنتهي تماماً
مثل حياته كـ"عسكري": ما أن يخرج من النصب حتى يتقاعد؛ أي يعود من
المعسكر إلى البيت، والسلام!
سلك
الباشا هذا المسلك طويلاً، وإن كان قد تم رصده يتنحنح في بعض الأحيان، أو حتى
يسعل؛ فذلك لم يمثل، في يوم من الأيام، نوعاً من العودة عن التقاعد، بل كانت تلك
مجرد أعراض إصابة بزكام سياسي عارض، لا أكثر!
ومعه
حق؛ فهو لم يخرج من المنصب إلى الشارع، بل إلى بيت الطاعة الرسمي، الذي تحرسه
العزلة الطوعية، ويسيجه الولاء الذي يسير باتجاه واحد؛ ولم يخرج بمعركة، كما خرج،
مثلاً، الجنرال عون، الذي ربما كان شبحه يحوم، اليوم، فوق رأس الباشا، ويوشوش في
أذنه، ويداعب خياله.
وهو
ليس وحده في ذلك!
هذا على
الأقل ما تؤكده التدبيجات والتخريجات، التي تحاول أن تجد للرجل مكاناً لائقاً في
زحمة "الحراكات"، أذ يبدو أن شبح الجنرال اللبناني لا يحوم فوق رأسه
وحده؛ فالإحباط السياسي واليأس والانتهازية، وسوى ذلك من الأسباب، تدفع كثيرين إلى
الباشا، وفي بالهم صورة الجنرال عون وزعامته السياسية!
للأمانة،
لا أظن أن شبح الجنرال عون قادر لوحده على استفزاز الباشا، وتحفيزه على البحث عن
ترياق لاستعادة حيويته وشبابه السياسي؛ فالحياة في بلد الولاءات المقيمة
والانتماء، الذي يقاس بالانضباط لقاعدة "حيد عن الرأس واضرب!"، كان
دائماً يغلق أفق تفكيره عن البحث عن "الزعامة" كلما خطرت له على بال.
ولكن هذه تبدو ممكنة اليوم، في هذا الوقت الذي يتضح فيه أن "الربيع
العربي" لم يمثل، لغاية الآن، أكثر من انقلاب داخل النظام، وليس عليه. وأن
رعاته يفضلون بالدرجة الأولى بديلاً من أصحاب القلوب "المليانة" على
السلطة من أهلها، وليس من خصومها الحقيقيين!
في
سياق هذه الفرصة "التاريخية"، ربما، يمكن فهم صحوة الباشا الباهرة، والنهائية
هذه المرة، لدرجة أنه نزل إلى الشارع، وتوسد ذراع "إخوانه المسلمين"..
نعم "إخوانه المسلمين". هم إخوانه فعلاً (وإن كانوا هم أقروا ومرروا
"معاهدة وادي عربة" في حين استقال هو من "الأعيان" على إثر إبرامها)؛
فحينما كان في السلطة، وفي المواقع المتقدمة في "الدائرة"، لم يكن
للنظام "بلطجية"، آنذاك، لقمع طلاب الجامعات. ولكن كان لديه
"الإخوان المسلمون" يقومون بالمهمة، بكل جدارة، وخفارة!
ولا
غرابة أن يعود إليهم الباشا اليوم؛ أو بالأحرى، أن يقبل بعودتهم إليه، رغم أنهم
على الأغلب يستحضرون صورة الجنرال السوداني البشير، لا الجنرال عون؛ وعلى أية حال،
لا بأس عليه إن تركهم يردون له الجميل، فينعم باستعادة بعض أفضاله في رعايته لهم،
من موقعه السابق في "الدائرة"، وينزل إلى الشارع بمعيتهم، ويستخدمهم
خلفية للمشهد الذي يتصدره، أو يستخدمونه مقدمة للصورة التي تؤطرهم.
وهذه
حسابات خاصة، لا شأن للحراك الشعبي بها، ولا يجدر به أن يحشر نفسه فيها!
وعلى
أية حال، يبدو أن أمام الجنرال، اليوم، بينما يتوسد ذراع "الإخوان
المسلمين"، خياران لا ثالث لهما: التحول إلى مهزلة أو مأساة؛ ونحن نفضل أن
تنتهي الأمور إلى مهزلة يتحمل وزرها هو، على أن تؤول إلى مأساة، يدفع ثمنها الحراك
الشعبي وقضية الإصلاح في الأردن!
هناك تعليق واحد:
مع تقديري أخ ياسر ، لم أرَ في المقال إلا مجموعة أماني تدفعها التخرصات، لا أكثر ولا أقل.
لم يعد الباشا للبيت ليشعر بالوحدة بل ظلت حياته حافة في الأعيان وفي رئاسة وفي العمل الخاص في سلك المحاماة، بلغ الرجل عتيا في خدمة الوطن والعرش، ولكن الإخلاص في العمل والنصيحة عند من لا يرون الناس إلا آلات تطبيل وتزمير وتمرير للسايسات الخاطئة ما هو إلا خطيئة تستوجب عزل وتشويه مرتكبها .
أقول الشمس لا تحجب بغربال، وأحمد عبيدات لا يسوؤه محاولة اغتياه، ويشرفه التحاقة بمشروع الإصلاح وبالإخوان. ولنتذكر أن الكلمة أمانة وشهادة نسأل عنها ونؤاخذ بها
إرسال تعليق