الخميس، 13 أكتوبر 2011

صفحة لمعالي الوزير

اطلعت على صفحة "فيس بوك" خصصها مؤسسوها للانتصار لوزير اضطر لتقديم استقالته على إثر الصحوة الحكومية والتشريعية المفاجئة، التي أحيت مبدأ دستورياً قديماً تتمسك به الدول ذات السيادة.
لفت انتباهي في هذه الصفحة عدة أشياء دفعة واحدة:
-        أن كثيراً من أهل الصفحة هم من الوسط الفني، وبهذا فإن هذه الصفحة تقدم الإشارة الوحيدة التي يشتبك فيها الفنان الأردني مع الشأن العام. ولكن (وا أسفاه!) فالفنان الأردني الذي بقي صامتاً، ينأى بنفسه، فرداً ونقابة، ويعزف عن إظهار أدنى اهتمام بمشاركة شعبه الذي يخوض حراكاً شمل الوطن كله مطالباً بالإصلاحات (ومنها الدستورية)، أو حتى إعلان مجرد موقف تضامني مع الحراك الشعبي، يهب وينتفض انتفاضة رجل واحد للدفاع عن وزير صدف أن وضعه لا يستقيم مع الدستور، الذي أحيا الشعب الاهتمام به وأعاد الاعتبار إليه!
-        إن أهل الصفحة، رغم إقرارهم بضرورة احترام القانون والدستور، يرون أن في تطبيق القانون حادثاً مؤسفاً؛ ويجهل أو يتجاهل بعضهم أن المبدأ الدستوري قديم، ولكن التعديات على الدستور وصلت إلى حدّ تجاهل مواده الصريحة. وهو ما يلفت الانتباه إلى تجاوز مؤلفي الحكومات ومشكليها.
إن الخضة الإعلامية التي دارت حول الوزير المعني بالصفحة، بدأت من محاولة تعيين موظفة في السفارة الأمريكية بعمان، في منصب الأمين العام للوزارة. وهو المنصب ذاته الذي كان يشغله وانتقل منه لمنصب الوزير.
إن هذه الخضة الإعلامية ذاتها كشفت أن الحكومة تضم أربع وزراء مزدوجي الجنسية، ناهيك عن النواب والأعيان، وهذا خلل يتعدى الاعتداء على القانون والدستور، ولكنه يحمل وجهاً أخلاقياً غير مريح، إذ كيف يقبل "مزدوج الجنسية" أن يضع نفسه في مكان لم يشأ الوطن إتاحته له، وكيف يقبل مؤلفو الحكومات بهؤلاء. أما الجهل بالنص الدستوري، فهو يلقي بظلال من الشك حول أهلية الوزراء "مزدوجي الجنسية"، ومن عملوا على توزيرهم، في التصدي للشأن العام.
الموقف بحذافيره ينطبق على النواب والأعيان، ومن المفترض أن يشمل كذلك كل أصحاب الدرجة الخاصة والأولى، إلى جانب قائمة طويلة من الوظائف العامة الحساسة.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن هنالك، فعلياً، مشكلة أخلاقية مع الجنسية الأمريكية بالذات. ليس من منطلق العداء لأمريكا على خلفية مواقفها المعروفة؛ بل لأن الحصول على الجنسية الأمريكية، ليس كالحصول على جنسية قبرص أو ماليزيا، اللتين ليس لنا بهما، وليس لهما بنا أي شأن؛ فالجنسية الأمريكية لا تتطلب من طالبها مجرد الولاء، بل تزيد على أية جنسية أخرى باشتراط استنكار الولاء الوطني السابق للوطن والنظام والحاكم والشعب الأصليين؛ ومن يريد أن يستزيد، فليراجع قسم الجنسية الأمريكي ويتأمله.
وللتذكير، فإن الشعوب والدول التي شهدت ويلات أمريكية وغربية، من العراق إلى ليبيا وجورجيا واوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وغيرها، ذهبت ضحية التساهل مع النص القانوني الذي يمنع ازدواجية الجنسية أو يحد من تسنم "مزدوجي الجنسية" المناصب العامة. وفي لحظة العبث الأمريكي، وجدت هذه البلدان أنفسها مخترقة بـ"مواطنة" مزدوجي الجنسية، الذين تصرفوا بالولاء الأمريكي، وانحازوا إلى كفته الرابحة.
وأريد هنا أن أنزه وزير الثقافة السابق جريس سماوي من احتمال استمراء سيناريو "مواطنة" مزدوجي الجنسية، وهو بالنسبة للأردن مجرد سيناريو افتراضي؛ ولكن حجم حضور مزدوجي الجنسية في المناصب العليا في الدولة والحكومة ومجلسي النواب والأعيان، يمثل خرقاً للسيادة وللأمن الوطني.
ولا بد من الإشارة، هنا، إلى أن المنطق الذي يبرر الجنسية الأمريكية بالقول أنها ضمانة لمستقبل غير واضح المعالم وتأميناً للشيخوخة، على حدِّ ما يعلن صراحة أحد أهل صفحة معالي الوزير على "الفيس بوك"، وسط تهليل برئ من آخرين، هو بالذات المنطق المعيب الذي يقود إلى الانحياز للجنسية الرابحة والأقوى على حساب الوطن. أو على أقل تقدير التخلي عن الوطن عند أول منعطف، والهرب للنجاة في أحضان جنسية بديلة..!
وأجد نفسي مضطراً للتذكير بأن الأصل هو منع ازدواجية الجنسية، من الأساس!

ليست هناك تعليقات: