مقابل
التبشيع والتشنيع والتعزير الذي يتعرض له النظام السوري ورئيسه، يبدو الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان عارض أزياء مسيطر على خطوط الموضة السياسية
"هاليومين"، فلا يكاد يوم يمر دون أن
تتحالى وسيلة إعلامية، أو محلل سياسي عربي، بالتغني به وبجماله وصفاته الحميدة، وذكائه
الإلهي!
بعض هذا الاعجاب يعود بالطبع إلى سيرة الباخرة
"مافي مرمرة" وأسطول الحرية؛ ولكن هذه قضية جاءت في محاولة "قرص
أذن" الصديق الإسرائيلي، الذي لم يتورع عن تشجيع الشريك الأوروبي على إغلاق
باب "الاتحاد" بوجه دولة "العثمانيين الجدد". ولكن ها هي المياه
تبدأ بالعودة لمجاريها، فتعيد أنقرة استقبال الملحق العسكري الإسرائيلي، بينما
يتعثر أسطول الحرية بالانطلاق.
إذن، ما سرّ الإعجاب بعارض
الأزياء السياسية التركي..!؟
إنه سحر العرض الذي لا يخلو من
استعراض مدهش ومبهر؛ الجديد في تقنياته، برغم أن بضاعته قديمة ومعروفة سلفاً منذ
"غزوتي نيويورك وواشنطن"، اللتين ألقتا الضوء على "فوائد" قوى
الإسلام الوسطي، وكرسته بديلاً لقوى التطرف المنفلتة من عقالها.
لقد كان على أسامة بن لادن أن
ينتظر عشر سنوات طويلة، ليـ"رحل في الوقت المناسب تماماً"، على حد تعبير
بعض إخواننا المسلمين؛ فالعالم كان بحاجة لانجاز عملية استبدال قوى التطرف الأعمى
الغربية بقوى "معتدلة" ليبرالية، لإتمام التحالف مع قوى الإسلام الوسطي.
ذهب بوش، ورحل أسامة بن لادن!
وجاء أوباما أول رئيس أمريكي
من أصول إسلامية وتمتد جذوره إلى العالم الثالث، وكان أردوغان الإسلامي الذي يرأس
دولة علمانية تشدها طموحاتها إلى أوروبا والغرب، جاهزاً في الانتظار!
إنه التلاقي في الوسط، بشخصيات
مقبولة من الطرفين!
وهنا، يجب ملاحظة أن الجاذبية
التي يتمتع بها إسلام أردوغان ليست ثابتة؛ إذ سرعان ما تنقلب إلى "عثمانية
جديدة" مبغوضة إذا ما انزعج الغرب منه، تماماً كما حصل خلال أزمة أسطول
الحرية؛ كما أن هذا يقود إلى التذكر بأن هذه الجاذبية ليست أصلية، بالأساس، فهي
تتجاوز على الكثير من الحقائق المزعجة في ملفات هامة مثل: الديمقراطية وحقوق
الإنسان، والإسهام في التحالفات الغربية، وبما يتعلق بالملفات العربية.
وفي حقيقة الأمر، فإن الحديث
عن جاذبية إسلام أردوغان من خلال الإشارة إلى انجازاته الوطنية لصالح تركيا، لا
يمكن أن تشكل حالة تميز وتفوق إذا ما قورنت بالانجازات الوطنية لإسلام أحمدي نجاد،
رغم أنه يواجه العداء والحصار الغربي الشامل، في حين يحظى إسلام أردوغان بالقبول
وبالدعم والرعاية الغربيين.
ولا بأس هنا، من تذكر التجربة الإيرانية..
كان الإمام الخميني في مرحلة
منفاه الفرنسي محبوب وسائل الإعلام الغربية، والشخصية الإسلامية الأكثر سحراً
وجاذبية في الغرب. ولكن ما أن حسمت الجمهورية الإسلامية خياراتها، حتى انطلقت
حملات التبشيع والتشنيع تصورها كـ"دولة فارسية" و"صفوية"
و"مجوسية"، بل وأصبح التشيع تهمة!
ولنلاحظ، هنا، أن هذه كلها
مفردات لا تعني شيئاً مفزعاً في الغرب، بل في عالمنا العربي المقصود بهذه الدعاية
الغربية!
وموضعياً، فإن جاذبية إسلام
أردوغان لا يمكن فهمها، على حقيقتها، دون ملاحظة التبشيع والتشنيع الذي يتعرض له
إسلام أحمدي نجاد، والانتباه إلى أن الفارق الحاسم بينهما هو: موقع كل منهما
وموقفه من سياسات الهيمنة الغربية.
وبشكل أكثر تفصيلاً:
-
يقيم إسلام أحمدي نجاد،
بالرغم من الغرب وضد سياساته، حلقة تحالف تجمعه بسوريا و"حزب الله"
و"حماس".
-
ويريد إسلام أردوغان،
أن يضمن تفويضاً غربياً للحلول بديلاً عن إيران، بعد ضرب تحالفها مع سوريا
و"حزب الله" و"حماس".
لقد بدا لأردوغان قبيل الثورات
العربية، أن السياسة الغربية في تقويض التحالف الإيراني السوري، التي اعتمدت على
ملف المحكمة الدولية، سياسة سقيمة وعديمة الجدوى ولا يمكن أن تتم بوسائل لا تثير
النقمة والعداء الشعبي عليه في تركيا والعالم العربي، وهذا قاده إلى تغليب خيار
التحالف مع سوريا والتفاهم مع إيران، ولعب دور في مناصرة حماس.
وهذا كله تغير مع هبوب رياح
الثورات العربية؛ حيث بدا أن ذلك كله ممكن، ومن الوارد أن يتم بطريقة تلاقي القبول
الشعبي، بما يسهل على تركيا التموضع في دورها الجديد دون أن يتكبد هو وحزبه كلفة
سياسية. لذا سارع أخونا المسلم "الطيب" أردوغان بالقفز من باص "محيطه
العربي الطبيعي"، ليلتحق بتنسيقيات ثورة فريد الغادري وعبد الحليم خدام.
إن عارض الأزياء التركي رجب
طيب أردوغان، لا يقدم ملابس ولا عطوراً، بل صيغة سياسية بديلة لمواصلة الهيمنة على
العالم العربي وقواه، من خلال قيادة الإسلام العربي الوسطي، لكن العقدة السورية في
منشاره، تكدر صفوه وإسلامه، وتحرق جاذبيته!


هناك تعليق واحد:
آبدعت بالطرح اهنييك على ذوووقك بآنتقاء الكلمات القوويه
كما عودتنا على جديدك الممتع والمتميز
تحياتي لك,,,
بنات الفيس بوك
http://hawaa.alnaddy.com/article/256524
إرسال تعليق