بقلم: بوريس كاغارليتسكي
في
الوقت الذي تحيي فيه روسيا الذكرى العشرين لانهيار الاتحاد السوفييتي، يتحدث
الغربيون بجدية عن احتمال انهيار الاتحاد الأوروبي. وعلى غرار ما حدث في حقبة
الانهيار السوفييتي، ثمة من يسعى اليوم لتجنيب الاتحاد الأوروبي هذا المصير.
يواجه الاتحاد الأوروبي اليوم
خطر التفكك بسبب انهيار المنظومة التي كان من المفترض أن توحد القارة الأوروبية
وتعزز قوتها، أي العملة الأوروبية المشتركة.
بالعودة إلى مطلع العقد
الماضي، كان العديد من المحللين، بمن فيهم كاتب هذه السطور، يحذرون من أن محاولات
دمج الدول ذات الاقتصادات والقوميات المختلفة في إطار نظام مالي موحد قد يقود في
نهاية المطاف إلى تصاعد وتيرة الأزمات، بدلاً من تحقيق الوحدة على نطاق أوسع.
قلنا أيضاً أن اليورو قد يؤدي
إلى انتقال التضخم الذي تعاني منه اقتصادات الدول الأقل نمواً في القسم الجنوبي من
القارة، إلى الدول الأكثر نمواً في القسم الشمالي منها، كما ينتشر الوباء، وأن
السياسات المالية الهادفة إلى تحقيق أسعار صرف ثابتة لليورو ستخنق اقتصاديات دول
أوروبية مثل اليونان واسبانيا والبرتغال.
للأسف، أظهرت التطورات الأخيرة
أن تلك التوقعات كانت صحيحة، فالنظام المالي الموحد أدى إلى إعادة توزيع الرساميل
لصالح ألمانيا، الدولة الأوروبية ذات الاقتصاد الأقوى في القارة، في الوقت الذي
عانت فيه الدول ذات الاقتصاديات الضعيفة من قصور مالي دائم، فوجدت نفسها مضطرة
للاستدانة بشكل متصاعد، وبمبالغ ضخمة، وهو ما دفعها إلى حافة الإفلاس. كثيرون
أملوا في أن يسهم هذا الاندماج في تحسين أداء الدول الأوروبية الأقل نمواً، لكن
ذلك لم يحدث.
في هذا الوقت، وجدت الدول ذات
الاقتصادات الضعيفة نفسها مضطرة لاستخدام أي رافعة سياسية يمكن أن تملكها لتحسين
وضعها داخل الاتحاد الأوروبي، علماً بأن هذا التوجه، كان سبباً رئيسياً في انهيار
الاتحاد السوفياتي، وقد يكون له تأثير مماثل على الاتحاد الأوروبي.
ولعل ما تقترحه ألمانيا وفرنسا
من خطط لتقوية الاندماج الاقتصادي كوسيلة لتجاوز الصعوبات التي يمر بها الاتحاد
الأوروبي يظهر أن قادة هذه الدول لم يتعلموا أي درس من الأزمة الراهنة، لأن الشروط
التي تفرضها المؤسسات السياسية والمالية ستحدث فجوة بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي،
والأسوأ أنها ستؤدي إلى تخفيض مستوى المعيشة بالنسبة للمواطن الأوروبي.
من المثير للاهتمام أن يقارن
المرء بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد السوفييتي السابق. يبدو الاتحاد الأوروبي
جسماً أقل ترابطاً إذا ما قورن بالاتحاد السوفيتي، فالمؤسسات الاجتماعية
والاقتصادية والثقافية في المجتمع السوفييتي كانت أكثر انسجاماً، غير أن الضغوط
المرتبطة بإصلاحات السوق هي التي دفعت بالجمهوريات السوفيتية ذات التنوع الاثني
إلى الإسراع في المطالبة بالاستقلال.
من الثابت تاريخياً أن قوى
السوق قد أسهمت في تقسيم المجتمع، وإذا كانت بروكسل قادرة، بشكل أو بآخر، على
تجاوز تلك العوامل المسببة للانقسامات خلال فترة الازدهار الاقتصادي، فإن مهمة
كهذه ستصبح أكثر صعوبة في مرحلة الركود.
ولكن مع الأسف، فإن القادة
الأوروبيين، بدلاً من أن يعترفوا بحقيقة هذه المشكلة، وأن يبادروا إلى إجراء
إصلاحات مؤسساتية لمعالجة التأثيرات السلبية للسياسات الراهنة، نراهم يبذلون جهداً
كبيراً لوضع الأفكار الفاشلة موضع التنفيذ.. والنتيجة ستكون كارثية.
وفي الوقت الذي كان فيه
الدستور السوفييتي يمنح للجمهوريات المنضوية في هذا الاتحاد الحق في الانفصال، نرى
أن أمراً كهذا ما زال غائباً عن دستور الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنه في اللحظة
التي يبدأ فيها الاتحاد الأوروبي بالتصدّع، سنشهد ربما انهياراً فوضوياً، قد يتجاوز
في انفلاته ما حدث يوم انهار الاتحاد السوفيتي.
(السفير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق