تنبهت المرأة، التي نسيت نفسها بضع سنوات في ثياب الحداد، إلى أنها بالرغم من كل شيء، وخلافاً لما يحسب الناس من حولها، ما تزال على قيد الحياة، وأن موتها في حال وقوعه يمكن أن يكون حدثاً تتناقله نشرات أخبار، لن تحجم عن وصفها بما يوحي به عمرها وجسدها المشدود من صفات مثيرة.
أدركت ذلك، فجأة، حينما رأت من ش
رفة شقتها، الصغيرة المرتفعة، المسلحين يجتاحون شوارع المدينة، ويطلقون النار على المتبضعين في السوق القريب، بينما كانت شاشة التلفاز في الداخل تبث أخباراً متضاربة عن أحداث ملتهبة في بلد بعيد؛ فخشيت على نفسها.
لجأت إلى هاتفها، فألفته معطلاً.
وأرادت أن تصرخ مستغيثة، فتذكرت أن الناس فقدوا مهارة سماع الأصوات البشرية ما لم تحملها موصلات تكنولوجية أو تمر عبر الأسلاك والشاشات؛ فعاجلت بالعودة إلى الداخل، وحشرت نفسها في بطن الأريكة، فرأت البلد البعيد يتهاوى في شاشة التلفاز، بينما كان ضجيج المسلحين وصرخات المذعورين تتعالى في الخارج.
بدا الأمر مقلقاً، وشعرت بأن أيام حدادها الطويل قد بدأت للتو، وأن زائرها المقبل لن يدق الجرس ولن ينتظرها لتفتح له الباب؛ فرفعت صوت التلفاز لتتحاشى سماع وقع خطواته حينما يأتي، ولتضيِّع صرخات المذعورين في الخارج بين ترددات صوت المذيع الجهوري، الذي كان بين الفينة والأخرى يقطع كلامه، ليتيح المجال لبث صور حيّة مليئة بالضجيج من أحداث البلد البعيد.
وكان هذا يريحها؛ لكن المذيع صاحب الصوت الجهوري خذلها، حينما أعلن عن الانتقال إلى فاصل دعائي، تصدره إعلان رومانسي هادئ وخفيض الصوت يروّج لمستحضرات تجميل.
حينئذ، أدركت أن زائرها المقبل الذي لن يدق الجرس ولن ينتظرها لتفتح له الباب، على وشك الوصول.
وخشيت، من جديد، على نفسها..!
وفي غمرة خشيتها على نفسها، لم تدر ما تفعل؛ ولكنها وبدون أن تفكر خلعت ثياب حدادها، وراحت تتزين بعناية، ثم ارتدت ثوب سهرة باهر يمايل بخفة مع انحناءات جسدها الممشوق، في حين كان ملمسه يذكرها بحياة هانئة حزنت طويلاً لهروبها المفاجئ مع الأيام.
لم تكن تقصد أن تثير غرائز المسلح الذي اقتحم شقتها، واستفرد بها قبل أن يقتلها؛ ولكنها كانت تريد أن تنبه، كل من تقع عيناه عليها، أنها كانت ما تزال على قيد الحياة!

هناك تعليق واحد:
رائعة جدا
إرسال تعليق