الخميس، 23 يونيو 2011

يريدونه طاغية على شاكلتهم

الرفض الدولي المتعجل والمسبق لخطاب الرئيس السوري بشار الأسد، يوم الاثنين الفائت في جامعة دمشق، كان أسرع، وأشد، وأوسع من الرفض المحلي السوري له (وهو إعلامي مفبرك على أية حال)..

والسبب بسيط في ذلك، ويتلخص بأن الدور الخارجي في أحداث سوريا كان أسبق على العامل المحلي، وهو كذلك أقوى، وأكثر اتساعاً من الحراك الممنتج في استوديوهات "الجزيرة" للإنتاج الثوري.
وهذا يلخص المشهد بمجمله!
وهذا، بدرجة كبيرة، يعطي مؤشراً على الأفق والمسار الذي يأخذه الحدث السوري، الذي مرّ لغاية هذا اليوم بتحولات عديدة: ابتدأ تحركاً يحظى بالتعاطف الشعبي الحذر، ثم تحول إلى حدث ملتبس دفع الأصوات النزيهة إلى الصمت والترقب مقابل تعالي الأصوات المجانية، ثم شهد بروزاً للأنشطة المبرمجة دولياً وإقليمياً فأثار الحفيظة بانكشافه عن ثورة مضادة، ثم ها هو ينجلي نهائياً عن تفاصيل مؤامرة مكشوفة تغطي على نشاط العصابات المسلحة المأجورة، التي تروع المدنيين وتنكل بهم..
ولهذا، فأفق الحدث السوري على المستوى "الاصلاحي" مسدود ولن يتمكن من تحقيق أهدافه المعلنة والمضمرة، لأنه يفقد يوماً بيوم، زخمه الشعبي الذي لم يكن واسعاً، على أية حال، برغم كل ذلك الضجيج الإعلامي!
ومع ذلك، لا خوف على التغيير والإصلاح الحقيقيين في سوريا!
لقد واجهت سوريا خياران خطران، ميدانيا: الأول يكمن في الاستسلام لموجة شعواء تتنكر بأقنعة الثورة والإصلاح، وهي في حقيقة الأمر لا تهدف إلا إلى التدمير والخراب. فعداؤها الأساس ينصب على مشروع الدولة في سوريا، وليس النظام وحسب. والثاني، الانجرار إلى إغماض العين والتغافل عن الحاجة العميقة إلى الإصلاح بمعناه الشامل والسريع والمعاجلة برفع المظالم عن الشعب الصابر.
وهذان خياران يناسبان أعداء سوريا في الخارج وأدواتهم الداخلية، على حد سواء!
ومن هنا، يبدو من المفهوم لِمَ أثار خطاب الرئيس السوري رفضاً خارجيا سريعاً ومسبقاً؛ فسوريا "ممنوعة" من الإصلاح طوال عشر سنوات كاملة، ولا يراد لها أن تسير في درب يعزز استقرارها وأمنها ورفاه شعبها، وفق معادلة لا تخل بإمكانياتها في رفع كفاءاتها وقدرتها على أداء دورها القومي، الذي كثيراً ما يتم اختزاله إجحافاً بمفردتي: "الممانعة والمقاومة"!
إن تأمل التصريحات التي أطلقت في رفض الخطاب على عجل، يؤكد أن هذا الخارج الرافض لم يسمع ما قاله الرئيس السوري من حيث الأساس، ولم يقرأه؛ فالرئيس التركي عبد الله جل، مثلاً، سارع إلى القول إن "على بشار الأسد أن يحول سوريا إلى نظام تعددي حزبي". في حين كان أبرز ما أعلنه الرئيس السوري في خطابه هو "نظام التعددية الحزبية"، وأفرد فقرات لهذه الحيثية بالذات معتبراً أن ذلك مجرد: "خطوة أساسية في مجال التطوير السياسي وتوسيع الحياة الديمقراطية".. وإن من شأن قانون جديد للأحزاب أن "يغني التعددية الحزبية ويفسح المجال أمام مشاركة أوسع للتيارات المختلفة في الحياة السياسية".
ومن الجانب الآخر، انبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون قائلة: "إن خطاب اليوم (الأسد) مخيب للآمال"، مضيفة أنه "يجب على الأسد أن يطلق حوارا جديرا بالمصداقية وحقيقيا وشاملا"، وهذا لا يشير إلى أن المسؤولة الأوربية كان لديها أدنى اطلاع على الخطاب الذي أفرد مساحة واسعة للحوار الوطني. وأعطى في هذا المجال أكثر مما طالبت به حيث أعلن عن فتح المجال أمام الجميع للمشاركة في تحديد أسس وآليات الحوار الوطني المنشود وغاياته ووضع جدوله الزمني، ولم يحتكرها لنفسه.
وطبق الأمر نفسه، على الإصلاحات المرجوة، بتأكيده على ضرورة أن يضمن الحوار المشاركة الواسعة، حيث قال: "إن هذا الحوار عملية مهمة جداً ويجب أن نعطيه فرصة لأن كل مستقبل سورية إذا أردنا له أن ينجح، فعلينا أن نبنيه على هذا الحوار، الذي يجب أن يشارك فيه مختلف الأطياف الموجودة على الساحة السورية ولا نستطيع أن نتوقع دائماً رؤية تظهر من الدولة والحكومة.. فبضع عشرات من الأشخاص لا يمكن أن يخططوا لعشرات الملايين من الأشخاص. وهنا تكمن أهمية هذا الحوار".
وكل صاحب قلب مخلص ومنصف لا يملك إلا أن يكرر من وراءه: هنا تكمن أهمية هذا الحوار!
ومن الملاحظ أن الخطاب تطلع إلى اصلاحات أكثر جذرية مما دعى الداعون؛ ففي حين تركز المطالب على إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تعطي حزب البعث صفة الحزب القائد للدولة، فإن أفق الإصلاح الذي اقترحه الرئيس السوري لم يتوقف عند تعديل أو الغاء هذه المادة أو غيرها من مواد الدستور فقط، بل وفتح الباب أمام تغيير الدستور نفسه، واضعاً ذلك برسم الحوار الوطني يقرر فيه ما يشاء..
لم يتوقف خطاب الرئيس السوري هنا، بل كشف كذلك عن المطالب الملحة للشعب التي بوشر بتنفيذها قبل بدء الحوار، وهي: رفع حالة الطوارىء، إلغاء محكمة أمن الدولة، أصدار قانون تنظيم حق التظاهر السلمي، إعداد قانون جديد للانتخابات، تشكيل لجنة لإعداد التشريعات والآليات الضرورية من أجل مكافحة الفساد، تنظيم ورشة كبيرة لتحديث وعصرنة الإعلام، إعداد قانون الإدارة المحلية، إعطاء الجنسية السورية للمواطنين الأكراد المسجلين في سجلات الأجانب.
وفي الخطاب أيضاً، ما يشير إلى حجم العمل الدؤوب الجاري على صعيد ملف الاصلاح: "معظم اللجان انتهت من أعمالها ما عدا لجنة الإعلام حتى شهر تموز.. ولكن لجنة قانون الأحزاب تنتهي خلال الأيام المقبلة وإذا انهينا قانون الأحزاب والانتخابات، أهم قانونين في الإصلاح السياسي، نستطيع أن نبدأ مباشرة الحوار الوطني وتناقش كل هذه القوانين والتي تصدر لاحقاً".
لقد استعرض الخطاب حزمة واسعة من الإصلاحات الجذرية، استوقفت وسائل الإعلام الأجنبية والمراقبين الأجانب لشؤون العالم العربي؛ إلا أن الاعلام العربي ومعلقيه، حينما يختارون من الإعلام العالمي للمواطن العربي يختارون سواده الذي يزهد به أهله، وعلى نحو معهود يصرون على أن يرددوا من وراء السياسيين الغربيين أن خطاب الرئيس السوري جاء مخيباً للآمال، ولم يتضمن شيئاً..
وفي الحقيقة، لم يتضمن خطاب عربي واحد مثل هذا الانفتاح والاستعداد والاستجابة غير المشروطة للتغيير والإصلاح!
الطريف أن أحد المعلقين السياسيين تورط بالجزم متباكياً على شاشة إحدى الفضائيات، بأن الرئيس السوري تجاهل الشهداء، وحتى لم يأت على ذكرهم نهائياً في خطابه ولم يترحم عليهم، في حين أن كل من سمع الخطاب أو قرأه، يعرف أن الخطاب أستهل بذكر الشهداء والترحم عليهم ومواساة أسرهم، واعتبارهم خسارة شخصية ووطنية.
وهذه مجرد كذبة بيضاء عجولة، لا تعني شيئاً أمام عشرات الأكاذيب السوداء والتلفيقات الملطخة بدماء السوريين!
وعودة إلى الرئيس التركي عبد الله جل، الذي قال أن على الرئيس السوري أن يحول نظام بلاده إلى التعددية الحزبية، خلال أسبوع، فهو لا ينتبه إلى انه يصادر حق الشعب السوري باختيار شكل الإصلاحات والنظام الذي يريده، ويقرر بالنيابة عنهم ما يجب عليهم فعله، بل ويقرر بالنيابة عنهم أن على الرئيس السوري أن يفعل ذلك نيابة عن الشعب ومؤسساته، ودون الرجوع إليهما.
والسؤال هنا: إذا كان الرئيس هو من سيحدد شكل الاصلاحات المطلوبة، فما الداعي إذن، للحوار الوطني..!؟
وهو مجرد سؤال يوضع برسم الاستغراب والدهشة، ولكنه يوضح المسألة: الخارج ليس مهتماً بالإصلاحات بحد ذاتها، بل هو يريدها أن تكون أداة لتطويع سوريا، وإرغام رئيسها على القبول بتنفيذ أوامر الخارج وسياساته دون إعتبار للسيادة والمصلحة الوطنية؛ وحينها لا مانع من أن يكون ديكتاتوراً وطاغية!

هناك تعليق واحد:

حنان شمعون يقول...

لقد صمّ الغرب اذانه عن صوت سورية,وهذا واضح الاسباب وغير مستغرب. اما الاخوة العرب فما اسبابهم ؟؟؟ يحز بالنفس كل يوم ان نجد ان قلة من الاخوة العرب يكتبون بحب عن سورية العروبة. ما الفرق بين مايحدث الان في سوريا وما حدث في العراق منذ التسعينيات من القرن الماضي؟؟ لقد خرج العرب بالملايين لنصرة العراق وهذا نفتقده الان في سورية ونسمع ان القرضاوي يطلب مسيرات اسلامية غدا ضد سورية واعتقد ان هناك الكثيرين للاسف سيلبّون. الا تفوح رائحة طائفية بغيضة من هذه المسالة؟؟ ومتى سنتعلم كعرب ان قوتنا تكمن في عروبتنا ؟