تغيب الحقيقة عن مدير عام قناة
الجزيرة القطرية وضاح خنفر أو هو يتعامى عنها؛ فيزعم أن خلاف قناته هو مع خداع
الأنظمة العربية حصراً، محدداً موضوع الخلاف في نقطة تضمن له الأفضلية الأخلاقية:
الانحياز للحرية وحق الشعوب بتقرير مصيرها!
وهذا على وجه التحديد لأنه
يخاطب قارئ "الغارديان" البريطانية؛ أما جمهور الجزيرة، أو بالأحرى
الجمهور التي تمارس عليه الجزيرة مقاولات حكومة قطر السياسية يومياً، فلن يحظى
منها بالعناية في التوضيح، ولا بالتوضيح أساساً؛ وليفعل ما يشاء..!
ويشاء جمهور الجزيرة أن يذكرها:
ليس صحيحاً أن مشكلتها مع خداع
الأنظمة العربية حصراً؛ بل مشكلتها في مهمتها "القطرية"، أما الأنظمة
فهي تحل ما تراه من مشاكل تعانيها على شاشة الجزيرة مباشرة مع الحكومة القطرية،
وينتهي الأمر بلمح البصر.
هكذا يحصل عادة، ودائماً!
وليس صحيحاً أن قناة الجزيرة
تناصر قيم الحرية وتلتزم بحق الشعوب العربية بتقرير مصيرها؛ فهذه تم الدوس عليها
مرات عديدة، وجرى تجاهلها كلما اقتضت التعليمات، وإغلاق الشاشة في وجهها، وإبقاء
الكاميرات بعيداً عن رصدها.
ويشاء جمهور الجزيرة أن
يذكرها، كذلك:
ليس صحيحاً أن الجزيرة تلتزم
بالاستقلالية والموضوعية المهنية والتنزه عن الأغراض السياسية اليومية؛ بل هي مجرد
وسيلة إعلام عربية رسمية أخرى، تقوم بدور إعلامي بطبيعة ميليشيوية لحساب حكومتها.
لقد باتت مشكلتها الحقيقية مع
جمهورها نفسه، مع الشارع العربي المتطلع للتغيير، الذي تغتال آماله وتطلعاته، بترويجها
لـ"ثورة مضادة" تحاول الانقلاب على الربيع الشعبي.
ومشكلتها الحقيقية ليست في أن
لها رأياً آخر مما يجري، بل في تعمدها كأي إعلام عربي رسمي آخر، مع سبق الإصرار،
على خداع جمهورها ومحاولة استغفاله، حيث تقدم نفسها بهوية مستقلة، في حين أنها
مرتبطة ومحكومة بسياسات معينة.
ويشاء جمهور الجزيرة أن
يذكرها، أيضاً:
وربما لا تكون مشكلة قناة
الجزيرة مع جمهورها هي المشكلة الأهم؛ فمشكلتها مع نفسها أهم وأعمق؛ فليس مطلوباً
منها أن تنحاز إلى الحرية ولا إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها (مشكورة. الله يكثر
خيرها!)، بل إلى الإخلاص للحقيقة، وتحري المصداقية بالخبر، والموضوعية في التعامل
معه، والتوازن في التغطية الذي ينجي من الانحياز غير المقصود.
إذا كان غير مقصود فعلاً..!
إن إفصاح مدير عام قناة
الجزيرة القطرية وضاح خنفر الصريح والدعائي، في مقاله المنشور في
"الغارديان" عن انحياز لجمهور الثورة، رغم أنه يبدو مطمئناً ولا غبار
عليه، إلا أنه يكشف عن استعداد خطير للانحياز غير المهني، والانسياق غير الموضوعي
في التعاطف مع أطراف معينة في الحدث، وهذا ينسف فكرة الموضوعية والمهنية..
وهذا يذكرني بملاحظة سبق أن
أبديتها حول مراسلي الجزيرة، الذين كانوا ينسون أنهم إعلاميين، وراحوا يتصرفون في
بعض الساحات، بوصفهم قادة التغيير وزعماء الثورة!
إن من لديه الاستعداد لينحاز
إلى طرف محق هنا، لديه كامل الاستعداد لينحاز إلى طرف غير محق هناك، لأسبابه
وتقديراته الخاصة؛ فهذا الاستعداد يحوله من إعلامي مهني ينقل الإحداث، إلى صاحب
مصلحة متورط فيها، ويقرر انطلاقاً من تورطه من على حق ومن على باطل، من مع الشعب،
ومن ضده. وآخر ما نريده من وسيلة إعلامية، وبالذات الجزيرة، أن تلعب دور المنظر
الثوري، فتتحول من تغطية الأحداث إلى محاولة تجنيد جمهورها لخدمة طرف بعينه!
ويشاء جمهور الجزيرة أن
يذكرها، تكراراً:
ليست مشكلة الجزيرة في أن
الأنظمة العربية تشكك في مصداقيتها؛ بل مشكلتها أن جمهورها نفسه يشك في موضوعيتها،
ولديه من الأسباب الوجيهة ما يكفي للنظر إليها باعتبارها بارجة أكاذيب. وقراءة
مقال مدير عام قناة الجزيرة القطرية وضاح خنفر،
المنشور في "الغارديان" بعنوان: "خداع
الأنظمة العربية لن يوقف الجزيرة"، معكوساً يكشف عن جملة من هذه الأسباب،
وتأمل ما أغفله وتعامى عنه المقال جملة أخرى منها.
ليست المشكلة مشكلة الجزيرة مع
خداع الأنظمة العربية، بل هي مشكلة جمهور الإعلام مع خداع الجزيرة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق