الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

تعريف ثالث للثورات العربية


بقلم: محمد فرج
لماذا يجب أن نقرأ الأشياء، التي تتشابه من الخارج، بقالب واحد؟ لماذا يجب أن نقرأ كل الثورات العربية بنسق واحد؛ إما أن تكون جميعها ثورات أمريكية، وإما أن تكون جميعها ثورات حرّة لا بدّ من دعمها؟ 
انه المنطق ثنائي البعد، ألا يمكن أن تكون إلا "أ" (أي حركة الناس في الشارع لا يمكن أن تعني إلا ثورة)، و"أ" لا يمكن أن تكون "ب" (الحركة في الشارع لا يمكن أن تكون ثورة مضادة).
وهذا الخطأ لا يتوقف عند حدود اتخاذ المواقف، بل يتجاوزها كذلك في تفسير الآخر، فكل من يقول أن هناك مؤامرة على سورية لا بد أن يكون مع القمع الذي يمارسه النظام، ومن يستنكر تدخل الناتو لا بد أن يكون مع كتائب القذافي، وكل من وقف ضد الاحتلال الأمريكي للعراق لا بد أن يكون داعماً للديكتاتورية.
هناك مشاهدات لأحداث تاريخية تفتح الباب على أسئلة مشابهة، ففي انقلاب فنزويلا الخائب: ماذا لو لم يعد هوغو شافيز الى الحكم؟ ماذا لو تسلمت المعارضة المدعومة أمريكياً مقاليد السلطة، وماذا لو سالت دماؤها في شوارع كاراكاس منعاً لذلك أي استلامها للسلطة؟
إن هذه الثنائية المحصورة ليست وليدة الوعي وحده، فالوعي متأثر بالموضوع، والخيارات السياسية المطروحة اليوم ضيقة إلى الحد الذي خلقها، والمطالبات الشعبية الصادقة هي الضحية الأولى لهذه الثنائية المحصورة وللخيارات السياسية الضيقة، وهنا تظهر الحاجة إلى جبهة إنقاذية ثالثة!
إن الثورات العربية، جميعها، بلا استثناء، ثورات شعبية صادقة، ولكن آليات وحجم القفز عليها ومحاولات توجيهها كما يراد له كبيرة، ومحاولات إعادة إنتاج الأنظمة نفسها بقشور جديدة هي كبيرة كذلك، ففي مصر تظهر جلياً محاولات المجلس العسكري لإيقاف الثورة المصرية عند هذا الحد، وفي ليبيا فإن المجلس الانتقالي يؤدي المهمات المصاغة من الناتو وأمريكا، وفي سورية انقضت كل الأطراف السيئة لحمل التغيير فيها من البيانوني إلى الحريري والأتراك والأمريكان، وفي تونس لا يزال جهاز المخابرات يبذل كل طاقاته للسيطرة على النظام.
هذه ليست دعوة للإبقاء على هذه الأنظمة الافقارية والاستبدادية في آن، وجميع الأنظمة العربية لا بدّ أن تتغير، غير أن المطلوب مزيد من الحذر والتركيز في صيغ البدائل، وتجاوز حدود العاطفة المرتبطة بإسقاط الأسماء وإبقاء الأنظمة، ما يجلب مزيداً من الشعور بالتعاسة أن لم يتحقق الحلم.
هناك حاجة إلى جبهة ثالثة تنظر إلى تفكيك علاقات الإنتاج بوصفها محدداً أساسياً لتعريف الثورة، فبين العدمية والراديكالية مسافة طويلة جداً، ومسافة قريبة جداً كنقطتتين متلامستين على سطح كرة.
(العرب اليوم. 28.082011)

ليست هناك تعليقات: