الخميس، 9 يونيو 2011

محطات لا يتوقف عندها أحد


يذهب الجهد الأوروبي الأمريكي باتجاه واضح نحو محاولة جديدة لعزل سوريا، ومحاصرتها، ووضعها في مساحة الحظر السياسي؛ والملاحظ أن هذا الجهد ليس الأول من نوعه، وهذه المحاولة ليست الأولى، ولا تقترن بالأحداث السورية الراهنة، كما يزعم انتهازيو أروبا وسياسيوها.
لقد سبق أن واجهت سوريا من قبل محاولات مماثلة، وربما أكثر ضراوة، في محاولة لدفعها للتخلي عن تحالفها مع إيران، ووقف دعمها لحزب الله اللبناني والفصائل الفلسطينية؛ أي باختصار: التخلي عن الممانعة والمقاومة والتنازل عن دورها كلاعب أساسي في المنطقة.
هذا حصل، في السنوات العشر الأخيرة، مرات عديدة: بعد تحرير الجنوب اللبناني في العام 2000، وبعد أحداث سبتمبر في العام 2001، وبعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية وبعد الاجتياح الإسرائيلي لجنين 2002، وبعد احتلال العراق في العام 2003، وفي العام 2004 الذي شهد فرض عقوبات اقتصادية على دمشق في إطار قانون محاسبة سورية، وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري 2005، وبعد حرب تموز 2006، وبالتزامن مع التحقيق الدولي في اغتيال الحريري، وبعد الحرب على غزة 2008،.. إلخ!
وهذه كلها محاولات منيت بالفشل الذريع، وانتهت بعودة الفرنسيين والأمريكيين (أشد الساعين لعزل سوريا) قبل غيرهم إلى استدعاء الدور السوري، إذ كان السوريون ينجحون في كسر طوق العزلة، دون أن يتزحزحوا من مكانهم، ويعيدون الأوروبيين والأمريكيين إلى مربعهم الأول.
وهذه، هي المحطة الأولى، التي لا يتوقف عندها أحد!
العلاقات السورية الإيرانية، أو "التحالف السوري الإيراني" كما تسميه بعض الأدبيات، هي محطة دائمة الحضور، ولكن من جانب واحد، هو تفظيعه وتصويره على أنه خروج سوري عن العمل العربي المشترك (الذي هو مجرد كلام في المشمش)، ولكن لا أحد يتحدث عن المكاسب الحقيقية التي حققتها وتحققها سوريا من هذا التحالف.
والمعطيات الأساسية هنا، تتمثل في أن سوريا نجحت في أن تبني تحالفاً مع إيران، هو اليوم التحالف الأقدم في منطقة لا تستقر فيها العلاقات البينية، وتتغير فيها خارطة التحالفات يوماً بعد يوم، وتنعدم فيها الفرصة لبناء تحالفات قابلة للحياة كما حدث في الحالة السورية الايرانية التي وصل فيها عمر تحالفهما ما يزيد على الثلاثين عاماً.
إنه، دون شك، تحالف استراتيجي، بالنسبة للبلدين!
ومعنى كون هذا التحالف استراتيجي، لا يعني أنه يغطي مساحة واسعة من المجالات فقط، ولكنه يعني بالدرجة الأساسية أنه يجد مبرراته في مجموع من الأهداف الإستراتيجية، الواجبة التوافق والتنسيق والتعاون المشترك، وتحييد أية قضايا خلافية تقع دون ذلك من حيث الأهمية في التأثير على العلاقات الثنائية.
وبالفعل، شهدت السنوات الثلاثين من عمر هذا التحالف اختلافات وتناقضات في المواقف بين سوريا وإيران، مثل رفض سوريا لانتفاضة جنوب العراق (1991) التي كانت تؤيدها إيران بشدة، حيث اعتبرت أن من غير المقبول السماح بتأسيس كانتون شيعي في جنوب العراق؛ ويضاف إلى ذلك الموقف من الجزر المتنازع عليها بين الإمارات وإيران. ولكن ذلك لم يؤثر على العلاقات الثنائية، التي بقيت تسير بوتيرتها المتصاعدة. وثبت أن العلاقات البلدين تقوم على سياسة واقعية تستند إلى المصالح المشتركة.
لقد دأب خصوم سوريا على دعوتها إلى التخلي عن تحالفها مع إيران واستبدال ذلك بـ"تحالف عربي"؛ ولكن هذه الدعوة كانت تغفل عن حقيقة الوضع العربي، الذي يفشل في صياغة علاقات بينية وثنائية، لتأثره الشديد بتقلبات السياسة الدولية، بالإضافة إلى أن تجربة سوريا مع التفاهمات والإعلانات والتحالفات العربية غير مشجعة، باعتبارها معرضة للانهيار عند أول منعطف، وعلى إثر أول تصريح يصدر عن الخارجية الأمريكية، لذا من الطبيعي أن تتمسك بتحالفها الطويل والاستراتيجي.
تجربة سوريا غير المشجعة مع الأطراف العربية، لا تتوقف هنا، فقد شاركت هذه الأخيرة في كثير من محاولات عزلها دولياً؛ ومارست عليها ضغوطاً كبيرة، سواء في لبنان أو في غيره من الملفات. في حين كان التحالف مع طهران أحد أسباب القوة في مواجهة محاولات العزل والضغوط الدولية، وإسناد الدور السوري بشكل عام.
وهذه محطة ثانية لا يتوقف عندها أحد!
في السياق، من الممكن ملاحظة أن كل مراحل المحطة الأولى، الوارد ذكرها سالفاً، ومحورها محاولات عزل سوريا الفاشلة، كانت على الدوام تقطع الطريق على الإصلاح في سوريا؛ وتضع الدولة السورية أمام أولويات إقليمية ودولية في منتهى الخطورة. وهو ما يحدث اليوم، من خلال الجهد الأوروبي الأمريكي، الذي عبر عنه آلان جوبيه بقوله أن "عملية الإصلاح في سوريا ميتة". وهو ما يعكس الرفض الأوروبي الأمريكي لأية إصلاحات يقوم بها النظام السوري نفسه، لأن من شأنها أن تجدد الدماء في عروقه.
وهذه محطة ثالثة لا يتوقف عندها أحد!
والمحطات التي لا يتوقف عندها أحد، لا تقتصر على ذلك، فالإعلام الذي تورط بكثرة في ترويج مشاهد فيديو اتضح أنها ملفقة، واعتمد على شهود عيان تبين أنهم في عواصم بعيدة وقريبة وليسوا في موقع الحدث بين الجثث والدماء التي تحدثوا عنها، تحوّل اليوم إلى نوع آخر من الأخبار التي تتمحور حول انشقاقات مزعومة في الجيش والدولة والدبلوماسية السورية، سرعان ما يتضح أنها زائفة.
وقد شهدنا وسائل الإعلام، هذه، تبث خبر استقالة سفير سوريا في تركيا نضال قبلان، وسرعان ما يثبت زيف الخبر. ثمَّ تعاود إلى الحديث عن استقالة سفير سوريا في الهند رياض عبّاس، ويتضح أن لا أصل ولا صحة للخبر؛ وبالأمس القريب تؤكد قناة "فرانس 24" التي تشن حملة محمومة على سوريا، أن سفيرة سوريا في فرنسا لمياء شكّور قد استقالت. وسرعان ما يأتي الردّ الغاضب من السفيرة نفسها بالصوت والصورة، لتنفي الخبر جملة وتفصيلا، فيما يتضح أن القناة اعتمدت على شريط صوتي مفبرك ينتحل شخصية السفيرة.
إن تلقف وسائل الإعلام والفضائيات لمثل هذه الأخبار، رغم تكرار انكشاف زيفها، ليس بدون معنى. ومسارعة وسائل الإعلام والفضائيات لبث هذه الأخبار، دون التحقق منها رغم تكرار تلفيقها، ليس بدون معنى. وعدم لجوء القناة الفرنسية إلى الاتصال بالسفيرة السورية في باريس للتأكد من صحة التسجيل المفبرك، وهي أقرب للقناة من الخارجية الفرنسية، هو كذلك ليس دون معنى..!
ذلك يجعلنا نجزم بأن الأمر لا يندرج في سياق الأخطاء المهنية غير المقصودة، بل هو جهد متعمد ومبرمج لإشاعة جو من البلبلة حول الوضع السوري لدى أركان النظام نفسه، على أمل أن تنقلب هذه الأخبار إلى واقع وحقيقة، فتجر إلى انشقاقات واستقالات تكرس صورة نظام سوريّ معزول ومتداعي.
ومن الملاحظ أن هذا السلوك إعلامي يقتصر على الحالة السورية، ولم نشهد مثله في أي من الحالات العربية السابقة والحالية، لا في الحالة التونسية، ولا المصرية، ولا اليمنية.. ولا حتى الليبية!
وهذه محطة رابعة لا يتوقف عندها أحد!
يريد التورط الخارجي في الشأن السوري إصلاحات على القياس الخارجي؛ وهي بالمناسبة اصلاحات لن تعطي الحرية ولا الكرامة للشعب السوري، ولن تقضي على الفساد، بل ستغرق البلد فيه على نحو ما شهدنا في العراق، حيث تحول القمع إلى إرهاب متعدد المصادر وحرب مفتوحة على المدنيين، فيما انتقلت البلاد من فساد في أجهزة الدولة إلى عملية نهب لصوصية تمارسها المليشيات القادمة على ظهر الدبابات الأمريكية، التي استولت على مقدرات الدولة وسيلت (من سيولة) ثرواتها ونهبتها وهربتها إلى الخارج، بالشراكة من لصوص الشركات الأمريكية.
وهنا، من اللافت أن المرشحين للإدارة الإصلاح الذي يطمح إليه الخارج، هم رجال النظام السوري السابقين الذين اشتهروا بفسادهم مثل عبد الحليم خدام، أو رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع الشهير والمعروف بارتباطاته الخارجية، الذي هو بالمناسبة ليس مسؤولاً عن أحداث حماة في مطلع الثمانينات فقط، بل وعن محاولة السيطرة على النظام في سوريا عبر العنف والترهيب الذي مارسته سراياه على المجتمع السوري آنذاك، وطال رأس القيادة السورية آنذاك: شقيقه الراحل حافظ الأسد.
إن ما يريده التورط الخارجي، هنا، هو تسليم سوريا إلى معارضة مرتبطة، تخدم أجندات الدول الراعية لها، ولا تتردد في قمع شعبها، ونهب ثروات وطنه، وقادرة على تحويل سوريا من لاعب عنيد إلى ملعب يستبيحه اللاعبون الغرباء؛ وإلا فالإصلاح ممنوع في سوريا..!
 وهذه هي المحطة الخامسة، ولكنها ليست الأخيرة!

هناك تعليق واحد:

Reda Zeid يقول...

هل تعتقد عزيزي ياسر أن النظام السوري لازال قابلاً للإصلاح. أوافق على ما تقدمت به، ولا أريد الدخول قي مدى مصداقية الأخبار المنقولة من سوريا والدماء وأعداد الشهداء، ولكن هل النظام السوري (في وضعه الحالي) هو القادر على إدارة دفة الإصلاح المنشود؟ أنا أعتقد غير ذلك. أعتقد يا سيدي أن النظام السوري إن كان جاداً في الإصلاح وأن ما نراه وما نسمعه عمّا يحدث ليس إلا فبركات إعلاميّة، فالخطوة الأولى برأيي التي يجب أن تتخذ من قبل النظام هو فتح المجال للإعلام (الأجنبي خاصّة) لنقل صورة الأحداث دون تدخل، مع إيماني باستحالة تطبيق هذه الخطوة من نظام دموي كالنظام السوري. لا يصح أن نساند هذا النظام البائس الدموي فقط لأننا ضد المشاريع الأمريكية والإمبريالية، فوجود النظام السوري بحالته يساعد في تمرير هذه المخططات أكثر من أي وقت مضى والثمن دماء من يسقط.