الأحد، 18 ديسمبر 2011

ربيع سوريا الحقيقي


لم تنجز "الثورتان" التونسية والمصرية شيئاً في مجال تحقيق تغيير اجتماعي حقيقي في بلديهما؛ والأسوأ من ذلك أنهما حتى لم تنجزا الكثير في مجال وضع أسس تشريعية وقانونية لحياة سياسية ديمقراطية.
وقد يقول قائل أننا نستبق الأمور ونستعجل على "الثورتين"، ولكن عمر هاتين "الثورتين" أكبر من عمر الأحداث في سوريا، التي أنجزت خلال فترة أقصر، وفي ظل ظروف استهداف صعبة، حزمة غير مسبوقة من القوانين الهامة، منها: قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وقانون الإعلام وقانون الحكم المحلي وأجرت انتخابات على أساسه، كما أن اللجنة المكلفة بوضع الدستور الجديد تكاد تنهي عملها.
وسوريا تقاوم الثورة المضادة، التي تسعى للانقلاب على الحياة العامة في البلاد، وجرها إلى حكم طائفي بغيض يوالي الغرب ويتبع عملائه العرب، بينما تونس ومصر وقعتا في قبضة أحفاد حمد بن جاسم الإسلاميين، وتتجهان إلى الانقلاب على انتفاضة الشعب دون أمل واضح لوضع حد لذلك، رغم المعارضة الشعبية والجماهيرية.
ويفترض أن يحظى الشعبان التونسي والمصري بسقف معقول من الحرية، غير أننا نرى بين اليوم والآخر ذات الأجهزة الأمنية تواجه الاحتجاجات السلمية بقمع متزايد الحدة، رغم سلمية الحراك الواضحة والتي لا شك فيها. هذا في حين (صدقوا أو لا تصدقوا!) أن شهادات متعددة ومحايدة (لا علاقة لها بالنظام السوري أو المعارضة) تروي قصصاً واقعية عن تظاهرات تجري في بعض الحواضر السورية أمام أنظار الجيش الذي لا يعترضها ولا يتدخل البتة!
ويستطيع من يستهول مثل هذه الروايات حول سوريا، أن ينساها تماماً ويصدق "الجزيرة" و"العربية"، ولكن عليه بالمقابل أن يتساءل عن الحرية التي ينعم بها الشعبان التونسي والمصري، ويقارنها بمنسوب الحرية في بلد يصنف فيه الحراك الشعبي بالضعيف.. مثل الأردن، وسيجد من دون شك أن ما يتمتع به هذان الشعبان بعد "الثورة"، لا يزيد عما يتمتع به شقيقهما الأردني.
ونعرف أن الأردن ليس بلداً ديمقراطياً، ولكنه نظام أمني يعيش "حرية" طارئة تفرضها حراجة الموقف واللحظة المتأججة. وطالما هي حرية طارئة، فهي مؤقتة إذن، إن لم يتم ترسيخها وحراستها بالحراك الشعبي!
وفي تونس ومصر، تماماً كما في الأردن، فإن هذه "الحرية" ستتبخر إن أتيح للسلطة أن تمسك بمقادير الأمور مجدداً؛ وهذا شيء يجري العمل عليه هناك وهنا. وإذا ما قيض لهذا المسعى النجاح، فإننا وأشقائنا التوانسة والمصريين، على حد سواء، سنعود لممارسة "حياتنا الديمقراطية" كظاهرة إعلامية من خلال شاشة "الجزيرة" و"العربية" بالمقادير التي تتيحها البورصة القطرية والسوق السعودي، وبما لا يخدش حياء دول الخليج (المنتج الأساسي للمواد الإعلامية العربية اليوم)!
ولكن سوريا، بالمقابل، لن تنكص على عقبيها، وستنجز مسيرة الإصلاح، وستعبر إلى حياة سياسية جديدة، وتحقق النموذج المتاح، بالطريقة والمستوى الذي سيزعج الكثيرين ممن يزاودون اليوم على نظامها، ويحاولون ملاحقته بالجرائم التي يرتكبونها هم أنفسهم، مباشرة وبالوكالة، وبالتحريض والتمويل..!
إننا على موعد مع ربيع حقيقي يزهر في سوريا، ويكشف زيف مروجي البلاستيك الأمريكي وزهوره الاصطناعية تحت مسمى "الربيع العربي"!

ليست هناك تعليقات: