الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

إعلان ولاء وانتماء


تجتهد ذيبان ومليح بتناوب في محاولة إعطاء حقن اسعافية للحراك الشعبي المطالب بالتغيير، تحت يافطة الإصلاح ومحاربة الفساد وإرساء قواعد لحياة سياسية ديمقراطية، تؤمن تحرير الأردن من نخب فاسدة، لطالما احتكرته، وأرهقته، واسترخصت قيمته في السوق.
وفي هذا، ربما، أهمية رمزية؛ فالبلدتان تنتسبان واقعياً لمظلمة الجنوب، وحظه القليل، وحقه المنقوص. ولكنهما، مع ذلك، محسوبتان على جغرافيا جنوب الوسط؛ هذا إذا صح اعتبار عمان "وسط"؛ وهما، كذلك، تقعان على الخط الممتد بين الطفيلة والكرك جنوباً، وجرش وأربد والرمثا شمالاً؛ وعلى جانبي هذا الخط من الشرق والغرب مدن وحواضر بارزة، على رأسها معان، ما تزال ترفع صوتها بالهتاف، الذي ينادي بالأردن الجديد، العريق، الأصيل، العروبي.
هذا الخط الطويل والممتد، تقطعه بالعادة عمان، أو الصمت واليأس و"الإحباط الأبيض المتوسط"، أو الوجاهات الاجتماعية من وزن "الفور وويل درايف" ونمرة هدية من رغدان مباشرة، التي تجيد تبويس اللحى ومعالجة البطون الخاوية بجبر الخواطر و"الصبر زين".. أو نواب فشلوا في التعليم والحياة، ولكنهم نجحوا بالانتخابات، التي صنعت بقوانين فعالة تحولت بالحياة السياسية من تزوير الصناديق إلى تزوير الإرادة الشعبية.
هذا الخط الطويل والممتد، نفسه، يصبح حيّاً، ونابضاً، حينما ينشط الحراك الشعبي بالمحافظات؛ ويموت النبض فيه، ويجف شريان الوطن الطويل الممتد بين أرجائه حينما يتراجع صوت هذا الحراك، فتعود عمان لتحتكر المشهد والصورة، وليس فيها إلا فصولا جديدة من قصص الفساد، ومغامرات البلطجية، وحماقات الساسة والمسؤولين، وجدال عقيم يخال أنه قادر على لي عنق التاريخ، وإعادته إلى الوراء.
وكأنما صوت أبناء الأردن وأمانيهم هي الدماء التي تسري في عروق الوطن؛ لتصل بعيده بقريبه، وتربط نوائيه بحواضره!
لا أقصد استحضار صورة العلاقة التقليدية بين عمان العاصمة والمحافظات، ومشهد الرأس الكبير الذي يثقل جسداً هزيلاً؛ ففي المشهد السياسي الذي رست أركانه في العام 2011، والذي لعمان منه 111 نائباً جهبذاً، تغيرت المعادلة.. فلا عمان بقيت رأساً كبيراً، ولا المحافظات ظلت جسداً هزيلاً.
ذلك أصبح من الماضي، ولا مكان له في حاضر يطمح للتغيير ومكافحة الفساد!
والأهم، أن أبناء المحافظات، اليوم، لا ينظرون إلى عمان بوصفها أخرى غريبة، ومملكة للنخب الفاسدة؛ بل يرونها عاصمتهم، التي لن يتخلوا عنها لأحد!
وهم، بنفس الدرجة من الأهمية، يدركون أن معركتهم تحسم في عمان بالذات، بتحريرها من المفسدين.. محتكري السياسة، ومصادري صوت الشعب، ومُغيبي صوت الوطن وأبنائه، من خلال منازعتهم على صوتهم، ومزاحمتهم على منابرهم، ومنافستهم في شوارعها، ومناجزتهم بدعم حراكها، والمشاركة فيه، والإسهام في توجيهه، والعمل على مؤازرته، وإعلاء صوتهم فيها مباشرة دون وساطة مايكروفون يتحول في لحظة إلى "مايك" ما، يرد اسمه بين ضيوف السفارة في قوائم "ويكيليكس"، ولا يجمعهم به إلا جواز السفر والاسم الأردني!
هذا، كله، يشجعني اليوم للتلذذ بتكرار إعلان ولائي وانتمائي للأردن، الذي عرفته في مليح، وعرفه بعض أقراني في ذيبان، وعرفه آخرون في مواقع مشابهة، في المدن والأرياف.
الأردن الذي نعرفه جيداً، ولا يعادي نفسه، ولا يجده أبناؤه في صف أعداء أشقائه!

ليست هناك تعليقات: