الأحد، 25 سبتمبر 2011

اعتراف واجب وضروري


كتبت عن سوريا كثيراً، ولم أكن أخشى عليها؛ كنت أعرف أن لديها من يحميها، ومن يدير أزمتها، وأن لديها أبناءها الذين يتفهمون وضعها ومكانتها، ولا يبيعونها بأموال التمويل، وبالأعطيات البرتقالية، لأن لديهم بالأساس قيادة لا تسمح باختراق الوطن، بأخسّ وأرخص الأسلحة: المال والارتزاق!
كنت أخشى على الأردنيين من جهّالهم!
وعديمي الضمائر الذين رباهم التمويل الأجنبي، والسياسات والمراكز البرتقالية، وحولت ضعاف النفوس منهم إلى مرتزقة مرتشين، يسهل قيادهم، وتوجيههم بكل جهة واتجاه، طالما كان الدولار باليد.
كنت أخشى الذاكرة القصيرة، وقصر النظر، الذي تشيعهما ثقافة انهزامية، وخشيت أن تكون قد دفعتنا لنسيان تاريخنا الخاص، ورجالاتنا، ومآثرنا، ومعجزتنا، لنتركها كلها فننتهي إلى الاقتناع بأننا عالة على التاريخ، وعلى الزمان والمكان، وبأننا فائض سكاني لا داع له، وهوية مبتدعة لا أصل لها. أو أن تكون حملتنا على الإيمان بأنّ الكرامة، والنزاهة، والشرف مجرد فكرة طوباوية؛ وأن الحداثة والمدنية ضرب من الفهلوة وتصيّد الدولار!
كنت أخشى كل ذلك علينا!
واليوم.. أنام ملء جفوني، ولا أسأل إن "فقع" أوباما تصريحاً عرمرمياً، أو إن "تعنطز" أردوغان ولوح بسبابته، أو حتى إن أشاح عباقرة النفط بوجوههم؛ فأنا أعرف أن سوريا لن تنصاع لإرادتهم، وعلى يقين أنها لن تحني هامتها لهم. والأهم، أنني رأيت أن المرتزقة والمتمولين في الأردن معزولين، لا يزيدون عن الشحاذين والمتسولين ومروجي بنات الليل عدداً، ولا يفوقونهم تأثيراً، وليسوا أفضل حالاً في عيون ناسنا من هؤلاء.
وهذا ليس غريباً، فهي المهنة نفسها وإن تم تحديث التوصيفات والأدوات!
وبالعفو ممن أخذه عقله أو جنحت به إرادته حراً، دون ارتباط وتمويل، لاتخاذ موقف من سوريا، فهؤلاء ناس نحترمهم ونناقشهم. ولكن كلامي يرمي لإصابة كل الجوقة المتهافتة الرخيصة، التي حاولت أن تبيع الشرف العصملي في حارة الشرفاء. وأقصد به أولئك الذين لا وقت لديهم ليتذكروا إسرائيل، وإن تذكروها، فلكي يقولوا أنها أفصل سوريا..
لقد رأيت في الأردن عامة الناس أعلى قامة من أصحاب ياقات بيضاء منشاة، وربطات عنق ثخينة متعالية يخجلون من وطنهم، ومن شعبهم، لأنه لا ينساق وراءهم في هجمتهم الجاحدة على سوريا، ولا يقبل نسيان العدو الواضح والصريح، الذي يترصد الأردن، كما سوريا، كما لبنان، وأن هذا العدو لا سواه يحتل فلسطين..
لأنهم لا ينسون العروبة..!
وبطبيعة الحال، يستطيع المتمولون أن يعيشوا على الكذبة التي لا يصدقها غيرهم، فيرددوها بين السطر والآخر مؤكدين أن السوريين لم يطلقوا رصاصة واحدة في الجولان؛ ولكننا سنلاحظ أنهم هم أنفسهم ليسوا دعاة حرب، ولا مقاومين، ولا حتى ممانعين صامتين.
بل يقفون على العداء من كل هؤلاء، وبرخص وجهالة!
وسنتذكر أيضاً، بالمقابل، أن هؤلاء في الوقت الذي يستمرئون فيه كذبتهم الأثيرة، لا يعترفون بأن رهاناتهم العديدة والكثيرة منذ مطلع التسعينات، بأن السوريين سيبيعون الأول والتالي في معاهدة سلام، سقطت مرات ومرات ومرات. وسنتذكر أيضاً أنهم لم يعيبوا على إسرائيل احتلالها الأرض العربية!
وأنهم بدلاً من إدانة المحتل المعتدي يدينون المعتدى عليه!
هؤلاء الذين يعطون دروساً في الحرب لم يطلقوا في حياتهم رصاصة واحدة، ولم يردوا اهانة أمريكي حتى في المؤتمرات. وهؤلاء الذين يعطون دروساً في السياسة ولا يملون من التنظير حول النموذج الصيني، لا يتذكرون مثلاً أن الصين لم تخض حرباً لاستعادة شانغهاي. ولم تطلق رصاصة واحدة أيضاً..!
وسوريا حاربت وقاتلت وتقاتل..!
وهنا اعتراف واجب وضروري: لم أكن أخشى على سوريا؛ واليوم لا أخشى على الأردنيين من صفاقة هؤلاء المتمولين وبقية البرتقاليين. فاللعبة التي كانت تجري بالشروط الرخيصة التي لطالما جعلت مدير محطة فضائية وأيتامه "أبطالاً" محوريين.. قد انتهت. واللعبة ذات الأشواط السريعة، التي تتطلب مرونة لا تستطيعها الدول والأجهزة، ولكن يستطيعها الأفراد المرتزقة، فاتخذت لذلك من عديمي الضمائر لاعبين رئيسين.. قد انتهت.  
وبدأ شوط آخر..!
إنها الدول الآن تتقارع، والإرادات المعنية تتصارع، ولم يعد من مكان للعملاء  والمرتزقة وزوار السفارات، سواء كانوا حليقي الذقون أو مرسليها على الوجوه والسحنات الملطخة بالعار!
وسوريا بخير.. والأردن عزيز!

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

الاخ ياسر,
سورية بخير صدقت , والاردن سيبقى عزيزا على قلوب السوريين الشرفاء مهما فعل أصحاب الياقات البيضاء المنشاة لان الثقافة الانهزامية لامكان لها عند السوريين الذين لايقايضون عروبتهم بكنوز الدنيا. معك حق ,لاتخف يا اخي على سورية ونم قرير العين فسورية الله حاميها. دمت ودام اردننا الحبيب بالف خير.
حنان شمعون

غير معرف يقول...

الاخ ياسر,
سورية بخير صدقت , والاردن سيبقى عزيزا على قلوب السوريين الشرفاء مهما فعل أصحاب الياقات البيضاء المنشاة لان الثقافة الانهزامية لامكان لها عند السوريين الذين لايقايضون عروبتهم بكنوز الدنيا.معك حق لاتخف يا اخي على سورية ونم قرير العين فسورية الله حاميها. دمت ودام اردننا الحبيب بالف خير.
حنان شمعون