الجمعة، 23 سبتمبر 2011

فوضى الجهات العليا

قدم "فارس شرف" إجابات مقنعة حول أسباب استقالته، أو لم يقدم. بررت "ليلى شرف" استقالتها بطريقة صريحة، أم لم تفعل. ذلك ليس مهماً؛ فهذا واجب الحكومة ومسؤوليتها، قبل غيرها، ودوناً عن سواها.
إنها صاحبة الولاية..
وهي من أقال الرجل على "جناح السرعة"، وفي ظروف "انقلابية" غير مفهومة، وصلت إلى حد التعامل الأمني مع مسؤول حكومي رفيع بالطريقة ذاتها التي يتم فيها التعامل مع مستأجر مشاغب، يرفض تنفيذ حكم بإخلاء عقار مأجور.
والواضح أن الحكومة لم ترتقِ لمستوى هذه المسؤولية!
لقد غرق رئيس الوزراء بإطلاق الأحكام والتوصيفات العشوائية الجاهزة، دون أن يقترب من تقديم رواية مقنعة تجيب على الأسئلة،  أو تطفئ نار "الإشاعات"، التي سرت في الشارع لتؤشر على "جهات عليا". بل أن تعامل الحكومة الركيك مع الموقف وتوضيحات المسؤول المقال ووالدته المليئين بالإبهام جاءا ليمنحا "الإشاعات" مصداقية وصدقية؛ فسمعنا من يفسر الأزمة على أنها ملف آخر من الملفات التي تقف وراءها زوجة الملك، بينما لم نسمع لغاية الآن من ينفي علاقة "الملكة" بذلك.
والأهم أننا بتنا نختلف اليوم بأي صفة نتعامل مع "رانيا العبد الله": أهي زوجة الملك أم ملكة..؟!
وهناك من ابتدع لقباً جديداً وبات يروج له، فأصبحنا نلاحظ رواجاً لتعبير عجيب غريب، ومريب بنفس الدرجة: والدة ولي العهد(!) وهو بالتأكيد لقب أقل درجة من الناحية البروتوكولية من لقب "الملكة"، ولكنه من جهة أخرى ينبئ بمآلات سياسية وخيمة لا يجوز الصمت عليها، لا سيما أنها فاحت من رائحة وثائق "ويكيليكس" الأردنية.
وعلى علمنا فإن الدستور الأردني، لا يتحدث عن العائلة المالكة إلا من باب التقييد والمنع؛ ويقصر نظره على الملك وولي عهده، بينما يحرص على عدم منح الثاني أية صلاحيات إلا في الحالات التي يستنيبه فيها الملك، دون أن يعطيه ذلك الحق في استخدام صلاحيات الملك الكاملة. بينما لقب الملكة لا ذكر ولا أثر ولا وجود له في نص الدستور، فهو في المقام الأول والأخير لقب فخري مرتبط بالقرب من الملك، الذي يمنحه لزوجته أو ينزعه عنها دون تبعات دستورية تستحق على الدولة الأردنية، أو لحائزة اللقب أو عليها.
هذه الفوضى في إطلاق الألقاب تعكس حجم الطموحات المتوثبة لتجاوز الدستور والواقع السياسي في الأردن، وتجييره لصالح مستقبل غامض يأتي على الأردن وفلسطين، وعلى الأردنيين والفلسطينيين في الداخل والشتات. وهي بالدرجة نفسها فوضى تعكس حجم الفراغ الذي تركه الملك الراحل، الذي بقي اللقب الملكي الممنوح لسواه فخرياً لا يقبل أية تأويلات.
هناك أيضاً، ملفات الفساد التي تتجه فيها الأنظار إلى "الجهات العليا"؛ لقد كانت ردة فعل الملك الرسمية عليها هي إبداء الاستياء من التعرض لآل بيته. وهذا بشكل ما يمثل قراراً بوضع سقف للتحقيقات، وتحصين جهات عليا يفترض أنها لا تتمتع بالحصانة القانونية ولا الدستورية ضد المساءلة والمحاسبة.
من اللافت أنه في تلك الفترة نفسها، التي دار فيها الجدل في الأردن حول شقيق زوجة الملك مجدي الياسين، كانت نفس الضجة تدور حول رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد. ورأينا في سوريا التي يتم التشكيك بنوايا نظامها الإصلاحية، أن المشتبه بفساده قد اضطر للتخلي عن استثماراته الهائلة وتسديد دينه للمجتمع والشعب السوري. ومن المؤكد أن هذا لم يكن نتيجة دفاع الرئيس عن ابن خاله، بل على العكس.
بالمحصلة، فإن مسؤولية معالجة هذه الفوضى تقع على الحكومة بالدرجة الأولى، وعليها أن تتمتع بالقدر الكافي من الإحساس بالمسؤولية، ما يؤهلها لوضع الأمور في نصابها، بدلاً من الانقلاب على مسؤول حكومي رفيع شهدت هي قبل سواها بنزاهته واستقامته. فالإصلاح يتطلب جرأة وشجاعة..
ويتطلب، كذلك، شفافية!

ليست هناك تعليقات: