الجمعة، 19 أغسطس 2011

إعدام الإتحاد السوفيتي

اليوم، تمر عشرون عاما على "انقلاب" عام 1991 في موسكو، الذي مثل محاولة لم تتوافر لها العزيمة الكافية، لوقف التخريب المبرمج الذي مارسه سيء الصيت والذكر ميخائيل جورباتشوف، وخصمه الشخصي وحليفه في الدور المشبوه بوريس يلتسن.

عشت تلك الأيام طالباً في العاصمة، التي كانت ما تزال سوفيتية، وتلقيت خبر "الانقلاب" في صبيحة ذلك اليوم، واستقبلته كما استقبله أغلب الطلبة العرب والأجانب في موسكو بجذل وسعادة، ولم يمر وقت طويل حتى أدركت أن أهل البلاد لا يختلفون عنا كثيراً، فمنهم من استقبل الحدث على نحو ما استقبلناه، ومنهم من لم يبال باعتبار أن النخبة السياسية العليا في الدولة تناكف بعضها البعض و"فخار يكسر بعضه"، على اعتبار أنهم كانوا يعتقدون أن ذلك لن يؤثر على حياتهم.

لم يكن عقل أحد يذهب للتفكير بتأثير ذلك على وحدة الدولة السوفيتية ووجودها، فالنزعات الانفصالية في الأطراف بكل ما مثلته من مؤشرات سلبية، ثبتت عدميتها وعدم شعبيتها، قبل ذلك بنحو شهرين، من خلال الاستفتاء الشهير على وحدة الاتحاد السوفييتي، الذي صوت المواطنون فيه بنسبة تفوق السبعين بالمائة لصالح الحفاظ عليه.

لذا، كان من الطبيعي أن أحداً لم يفطن حينها إلى تأثير تداعيات ذلك "الانقلاب" على الإتحاد السوفييتي نفسه؛ واليوم أرى أن جزءاً من المشكلة يكمن في هذا بالذات। أعني، أن المواطنين وأغلب الفعاليات والمجموعات السياسية داخل الحزب كانت تعتبر أن "الإتحاد" مسلمة، وحقيقة أكبر من تهتز، ولا يمكن أن تطالها الألاعيب السياسية.

الظرف الآخر الذي لعب دورا حاسماً، هو حالة التعب التي وصل إليها الشارع السوفييتي من السياسة في السنوات الأخيرة من عهد جورباتشوف، التي ضاعت في مناكفات سياسية مشبوهة؛ فبات المواطنون ينظرون لصغائر الأمور وعظائمها باعتبارها جزءا من صراع النخبة السياسية على المصالح ومناكفاتها التي لا تنتهي.

وبهذا احتكرت النخبة السياسية في البلاد السياسة، دون أن تبذل جهداً، أو تشرع قوانين تتيح لها ذلك. بل بحكم الأمر الواقع، وبحكم عزوف عامة الناس عن الاهتمام بالسياسة طوعاً، لأسباب تتراوح بين اليأس والاشمئزاز من طبائعها الجورباتشوفية. وهذا وجد انعكاسه الجغرافي، حيث أصبحت موسكو، وبدرجة أقل ليننغراد، تمثل "نخبة سياسية" تحتكر العمل السياسي، مقابل الجمهوريات والأقاليم والمقاطعات التي تحولت إلى "عامة شعب"، وتراجع دورها واهتمامها إلى حدود متدنية للغاية بما يحدث في موسكو.

في نهار ذلك "الانقلاب" وقع انقلاب حقيقي، فجناح يلتسن وأنصاره الأكثر حماسة بين المجموعات السياسية، أدركوا على ما يبدو في ساعات الظهيرة أن "النوايا الطيبة" تحكم صانعي أحداث ذلك النهار، وأن ما من أحد منهم جدي بالحد الأدنى الذي يمكن أن يدفعه لاستخدام صلاحياته لحماية "الانقلاب"، فتداعوا على عجل لاستثمار الحدث لتحصيل مكاسب سياسية بدت سهلة، وميسورة، وفي متناول اليد. وهنا، تحولت "لجنة الطوارئ" إلى انقلاب، وأضحى يلتسن حامياً للشرعية!

وكان هذا هو الانقلاب الحقيقي!

بعد شهور قليلة، وفي ظروف اتسمت بالتواطؤ مع رغبة يلتسن بالانفراد بروسيا، بعيداً عن مؤسسات "الاتحاد"، جرت سلسلة تفاهمات بينه وبين رئيسي أوكرايينا وبيلوروسيا في غابة بيلوجوفسكويه القريبة من مينسك عاصمة الأخيرة، وابرم الثلاثة اتفاقاً، ضمن كل منهم بموجبه رئاسة جمهوريته بشكل مستقل على قاعدة إنهاء الاتحاد السوفييتي، الذي لم يكن إنهائه وارداً على بال أحد، حتى من أنصار هؤلاء الثلاثة.

أريد أن أقول: ليس مرور هذا اليوم هو فقط ما يذكرني بإعدام الاتحاد السوفييتي، بل ما يحدث اليوم في بلداننا العربية يدفعني كإنسان عايش تلك الفترة إلى تذكر محطات، وأيام، وإحداث من آخر أيام تلك القوة العظمى.

وهي أيام لم يملك من شهدها سوى مواجهتها بالريبة، إن لم يكن بالرفض!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

غير مأسوف على إنهيار الإتحاد السوفييتي فلقد كان نظاما شموليا قاسيا لايحترم الإنسان. عجلة التطور تفرض علينا انماطا جديدة بالعلاقة بين النظام الحاكم والمواطن علينا ان نتأقلم معها. ولو كنت انت من في السجن يتلقى الصدمات الكهربائية او في سيبيريا في أحد "منتجعات" التعذيب الجماعي او لو كنت من مئات الاف من سجناء الرأي الذين عذبوا وقتلوا او لو كنت من الملايين الذين أجبروا على العمل في مناجم هلك فيها الآلاف لما كنت من محبين النظام السوفييتي. وبما ان الغرب اثبت ان هنالك نظاما يضع المواطن في اولوياته وكرامته ويحقق لهم رخاء إقتصاديا وحضارة فلمذا تختار النظام القاسي على النظام الإنساني. ستقول لي ان الغرب مجرم. نعم كما كان الإتحاد السوفييتي لكن الغرب يحترم مواطنييه ويحتقر الآخر بينما الأنظمة الأخرى تحتقر مواطنيها وتحتقر الآخر ومنها من يحترم القوي الأخر حنى ولو على حساب كرامة موطنييه كما الأنظمة الملكية العربية. هذا عصر كرامة الإنسان وهذه الكرامة تتعدى زجاجة فودكا وعلبة سردين ل 95% من الشعب بينما 5% ترتع بالمال والرفاهية