الجمعة، 19 أغسطس 2011

معركة على جبهة أخرى

التحق الجندي بالجبهة. وهناك وجد نفسه وجهاً لوجه مع الحرب، التي قرأ عنها وتدرب على خوضها في كليته العسكرية. لم يحبها. ولكن قالوا له إنها اختصاصه ومبرر وجوده الوحيد.

سأل:

- أيعني ذلك أنه ليس مسموحاً لي أن أحب..؟

- لا. أحب كما تشاء، ولكن أطلق النار متى جاءتك الأوامر.

أراحه ذلك؛ فسحب محفظته وأخرج منها صورة ألتقطت له في الساحة العامة، بعد مشاركته في الاستعراض الكبير يوم تخرجه من كليته العسكرية، وراح يتأملها باستغراق.

- صورتك..!؟

سأل قائده في الجبهة.

- نعم.

أجاب جذلاً، وعرض عليه صورته الأثيرة بينما أشار بسبابته إلى نقطة في خلفيتها، حيث بدت فتاة ما وقد قطعت سيرها لتنحني على الأرض لالتقاط شيء ما، يبدو أنه سقط منها، بينما كانت تبتعد على عجل في الاتجاه البعيد.

- تحبها..؟

سأل قائده في الجبهة، فهز رأسه بينما كان يتمتم:

- لا أظنني أقوى على العيش بدونها.

ولم يلبث أن أضاف بحسرة:

- تخيل. لقد كانت هناك، خلفي مباشرة. ومع ذلك لم أرها!

- ألم تكن تعرف بأنها هناك..؟

- لا. لم أفطن لوجودها إلا حينما دققت بالصورة في المساء، وكان الوقت فات، فقد كان عليّ أن ألتحق بالجبهة في الصباح الباكر.

- لا بأس. ستراها حينما تنتهي الحرب.

- بلى. سأعود وأجدها.

استغرق الجندي بالقتال. واجتهد في إطلاق الرصاص بكثافة، وكان يدخل في معركة ويخرج من أخرى بحماسة لا تخبو، على أمل أن ينهي الحرب سريعاً ليعود إلى البيت بأقرب وقت. ورغم اجتهاده الملحوظ في ذلك، إلا أن قائده في الجبهة كان يعيب عليه التفاته الدائم خلفه، بينما كان يطلق النار.

- انظر حيث تطلق الرصاص!

- لا تقتلهم نظراتي، بل رصاصات بندقيتي.

- فانظر لكي لا تخطئهم؛ ليس لدينا رصاص نضيعه سدى..

وضع الجندي بندقيته جانباً، وقال متذمراً:

- كل شيء أحبه يمرّ خلفي!

وسحب محفظته وأخرج منها صورته الأثيرة، وراح يشير بيد ترتجف توتراً إلى الفتاة التي ظهرت في خلفيتها البعيدة.

وقال بانفعال يداري سخطه:

- أترى..!؟ لو نظرت خلفي، لحظتها، لكنت قابلت فتاة أحلامي!

ليست هناك تعليقات: