بقلـم: أحمـد أبو خليـل
ahmadabukhalil@hotmail.com
قبل بدء الحركات الشعبية العربية الحالية، كان هناك على المستوى العالمي نموذجان جديدان للحركات الشعبية الساعية نحو الحرية والديمقراطية: الأول شهدته دول أوروبا الشرقية قبل حوالي عقدين، والثاني شهدته دول أمريكا اللاتينية في السنوات العشر الأخيرة.
النموذجان مختلفان جذرياً، ففي الأول
تحرك الناس رفضاً للنظم الاشتراكية القائمة مع هدف واضح هو التوجه غرباً نحو الرأسمالية في السياسة والاقتصاد والثقافة. أما في الثاني فقد قاد التحركات حلف اجتماعي شعبي كبير ضم كل المتضررين من السياسات السابقة، سياسات الالتحاق الشامل بالجار الأمريكي الشمالي، وتم وضع هدف معاكس لما هو سائد في مختلف الميادين، بل حاولت بعض البلدان مثل البرازيل وفنزويلا أن تفتح خيوطاً مع الشركاء المفترضين في باقي أجزاء العالم الثالث باعتبار أنها تخوض صراعاً واحداً.
فيما يتعلق بالثورات والحركات الشعبية العربية، تبدو هويتها محل خلاف، وهو جوهريا ذات الخلاف الذي يمثله النموذجان المذكوران. هناك في الواقع صنفان من "الثوار العرب"، الأول يضم ثواراً "برتقاليين"، يرون في الثورات العربية صورة عما جرى في أوروبا الشرقية، وبالمقابل هناك من يريد لهذه الثورات محتوى اجتماعياً جذرياً معادياً للرأسمالية يصل في السياسة والاقتصاد والثقافة إلى أهداف تناسب هذا المحتوى، أي أنه يبحث عن صيغة عربية للنموذج اللاتيني.
تتفاوت الدول العربية في موازين القوى بين الفريقين، في بعض الدول مثل مصر وتونس واليمن يبدو الصراع جدياً وهناك نضوج عند كلا الفريقين. في حالات أخرى مثل الأردن لم تتبلور الصورة بعد، إذ يلتقي الفريقان معاً في صفوف متراصة، ويبالغ منتسبوهما في إظهار مشاعر المودة المتبادلة ويعتبرون ذلك خصوصية أردنية، حيث تسود الألفة والمحبة وروح الأسرة الواحدة حتى في الاحتجاجات.
بالمحصلة نجد مثلاً من يؤيد سيطرة القطاع الخاص ويؤيد الصلح مع العدو ويقف ضد المقاومة ويؤيد الاحتلال الأمريكي للعراق، يسير في مظاهرة واحدة إلى جانب خصمه في كل هذه المجالات، بل ويلتقطون الصور معاً من وضعية تشابك الأيدي مع الرفع والهز أحياناً... إنه نموذج فريد لالتقاء يد يفترض أنها "مضرجة" مع أخرى ثبت أنها "مغنجة".
(العرب اليوم. 2011-08-18)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق