أرسل لي زميل صحفي مهتم بالشأن
السوري رسالة إلكترونية من دمشق، التي وصلها منذ يومين، يطلعني على انطباعاته
العاجلة حول الوضع، الذي "يصدف" أن وسائل الإعلام لا تقدم لنا حوله سوى
المزيد من الإرباك والتشويش، والمعلومات المتداخلة التي تختلط فيها الرغبات
المبطنة بالواقع.
يقول الزميل الصحفي في رسالته
الإلكترونية:
«الوضع كما يمكن أن تتوقع. الكل
يرى أن الجيش السوري متماسك وقوي، وأنه أبلى بلاء حسناً، وأثبت أن عقيدته متأصلة. أحاديث
"المجاهدين"، وشعارات "الطز"، والتشاتم السياسي، جعلت الجميع
ينفرون من هذه الانتفاضة. الأغلبية ناقمة على الطرفين».
انتهت
الرسالة.
الإشارة
إلى "توقعاتي"، تتعلق برأيي في عامل الدخول الدولي على خط الأزمة السورية بكثافة،
كان له تأثيرين:
الأول، الذي يتعلق بالدعم اللوجستي؛ كان من تأثيره أن حَرَفَ
ما يمكن أن يكون حركة شعبية سلمية تحقق للسوريين مطالب إصلاحية هامة، إلى عنف
تخريبي يتصدره عتاة المتطرفين الإسلاميين والمجرمين الجنائيين وتضرر منه المواطن
قبل النظام. ويمكن فهم تريث النظام السوري لنحو شهر قبل دخول حماة، أنه جاء بهدف
انتظار وصول المواطنين إلى لحظة يضيقون فيها من المسلحين وممارساتهم، فيصبح دخول
الجيش مرغوباً.. بل ومطلوباً.
هنا،
بالذات، يجب أن نلحظ أن النظام في أزمته ينتبه إلى أن الشعب يمثل حصانته الحقيقية،
فيتوخى توفر الغطاء الشعبي في خوض معركته العسكرية على وجه التحديد، بعدما سعى
للتأمين هذا الغطاء، على المستوى السياسي، عبر إبداء استعداده غير المشروط لتلبية ما
هو مطلوب منه شعبياً على صعيد الإصلاح!
الثاني،
التأثير المتعلق بخطر القرارات الدولية والتدخل الأجنبي؛ وهذا كما سبق أن رأينا
بات يُحدث تأثيراً عكسياً يتمثل بتوقف الامتداد الشعبي لحركة التمرد، كما في ليبيا.
وهذا التأثير مضاعف في سوريا، لا سيما أن رموز هذا التدخل، الدولية والعربية، تثير
عند السوري العادي ردة فعل ومشاعر، مختلفة عن تلك التي تثيرها لدى صالح القلاب الذي ثرثر على الشاشات في
مديح عبقرية وحكمة بيان الملك السعودي، خلال أقل من أسبوع، ما يملأ مجلداً سميكاً.
حديث الزميل عن «أحاديث
"المجاهدين"، وشعارات "الطز"، والتشاتم السياسي» يشير إلى
تأكيد الطبيعة الإرهابية المسلحة لـ"الأعجوبة" السورية؛ كما يشير إلى
طابعها الديني الطائفي، الذي عابها دوناً عن بقية "الثورات" العربية.
والإشارة الأهم برأيي، في هذه
الرسالة، هي ما تقوله حول "الأغلبية ناقمة على الطرفين"؛ فالمعادلة في
سوريا ليست بين طرفين يمثلان النظام وأعوانه والمعارضة ومسانديها؛ بل هناك ثلاثة
أطراف: نظام، وحركة تمرد مسلحة، وشعب.
وهنا، الشعب وإن كان ناقماً
على الطرفين، لكن خياره بديهي!
بديهياً، في الخيار بين القوة
المنظمة والقوة غير المنظمة يختار الشعب القوة المنظمة؛ وفي الخيار بين المعلوم
والمجهول يختار الشعب المعلوم؛ وفي الاختيار بين الموجود وغير الموجود يختار الشعب
الموجود؛ وفي الاختيار بين البناء القائم أو الهدم والبناء من جديد يختار الشعب
البناء القائم؛ وفي الإختيار بين الشرعية والطارئين يختار الشرعية.
وتبقى كلمة: النظام السوري ليس
النظام المصري. والتاريخ لا يسير حسب أهواء السذج، ولا وفق خطط المتآمرين؛
وأحياناً يكون قاضياً منصفاً، وفي مرات أخرى يحمل السلاح ويقاوم مع المقاومين، ويتقدم الثوار!
الثوار.. لا المرتزقة
والمجرمين!

هناك تعليق واحد:
على كل من يحب سورية ان يشكر الله لان ثوارها الميامين لم يتاخروا في اماطة اللثام, مع انهم والحق يقال منذ البداية واضحون : موعدهم يوم الجمعة بعد الصلاة. يعني فئة واحدة من الشعب السوري المعروف بتنوع طوائفه ومذاهبه. ولكن المحزن في الامر هو ان العروبة التي رضعناها ,نحن جيل الستينيات, مع حليب الامهات صغرت كثيرا في القلوب عندما كبرنا بدل ان تكبر معنا كم حلم اباءنا.
إرسال تعليق